رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في معية يوسف (٢٢)


لا شك أن أي إنسان ينتقل من كونه شخصا عاديا، بل سجينا لفترة ًزمنية (طالت أم قصرت)، إلى شخص آخر مرموق يشار إليه بالبنان، وله منزلته ومكانته في الدولة، بل يلعب دورا كبيرا له تأثيره وخطورته على المستوى الاقتصادى والاجتماعي لهذه الدولة، أقول عادة ما يحدث لهذا الشخص تغيير جوهرى في السلوك وطريقة التفكير وأسلوب التعامل مع المشكلات، فضلا عن تصفية الحسابات مع من أساءوا له يوما، وهكذا.. لكن، بالنسبة للأنبياء والرسل الكرام، سواء كانوا في حالة الاستضعاف أو القوة، فالأمر يختلف بالكلية؛ بمعنى أنه لا يصيبهم ما يصيب عوام الناس، لأنهم - ببساطة - يتحركون في كل أحوالهم في معية الله تعالى ووفق تعاليمه وأوامره وفى ظل رعايته وحفظه.. لذلك، رأينا كيف أن النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد أن دخل مكة فاتحا عفا عمن آذوه وآذوا أصحابه، وقال لأهل مكة: اذهبوا فأنتم الطلقاء..


في قصة يوسف (عليه السلام)، لاحظنا أنه بعد أن أعزه الله تعالى ومكن له، لم يحاول أن ينتقم ممن آذوه يوما، بل على العكس أكرمهم وأجزل لهم العطاء، وهو ما يدل على ما يتمتع به الأنبياء من قيم أخلاقية وإنسانية عليا.. وقد روى القرآن العظيم كيف أمر يوسف فتيانه بوضع مكيال الملك في رحل أخيه بنيامين كى يستبقيه عنده، وليكون ذلك بداية لاستقدام أبيه إليه، ليعوضه عن سنوات الحزن والمعاناة التي قضاها جراء فقدان يوسف..

وعند التفتيش، تم استخراج المكيال من رحل بنيامين، وهو ما جعل إخوة يوسف يفقدون صوابهم، ويلقون بالتهمة ذاتها عليه، فيقولون: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل).. غير أن يوسف لم يشأ أن يرد على هذا الاتهام المزعوم، أو تلك الفرية المدعاة وكتم في نفسه، تلطفا منه (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم)، وقال (أنتم شر مكانا) أي أنتم شر منزلة (والله أعلم بما تصفون) أي أعلم بما تفترون.. فثابوا إلى رشدهم وأدركوا صعوبة موقفهم، وأنه أولى بهم أن يثيروا عطفه عليهم فهم في موقف لا يحسدون عليه، فقالوا (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا)، لا يكاد يستطيع فراقه أو الابتعاد عنه (فخذ أحدنا مكانه)، وأنت صاحب الكرم والجود (إنا نراك من المحسنين). فرد يوسف قائلا: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) أي نحن لا نأخذ أحدا بجريرة غيره، وإن فعلنا ذلك (إنا إذا لظالمون)..

فلما يئسوا من استجابة يوسف إلى طلبهم، وتأكدوا أنه لا جدوى من الرجاء (خلصوا نجيا) أي اعتزلوا جانبا يتشاورون، فقال كبيرهم (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله) أي هل نسيتم وعدكم الذي أعطيتموه لأبيكم بالمحافظة على أخيكم؟ ثم ألا تذكرون أيضا تفريطكم في يوسف؟ (ومن قبل ما فرطتم في يوسف)، فكيف ترجعون إليه بعد ذلك؟ ثم قال (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى) أي لن أغادر أرض مصر حتى يسمح لى أبى (أو يحكم الله لى) أي يحكم لى بخلاص أخى (وهو خير الحاكمين) لأنه سبحانه هو أعدل الحاكمين.. واستطرد يقول (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق) أي أخبروه بالحقيقة التي شاهدناها (وما شهدنا إلا بما علمنا)، وقولوا له إننا لم نكن نعلم حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق (وما كنا للغيب حافظين).. (وللحديث بقية إن شاء الله)..

Advertisements
الجريدة الرسمية