رئيس التحرير
عصام كامل

هل يمكن القضاء على التنظيمات الإرهابية؟


منذ أسبوعين تقريبا نشر موقع "الفورين أفيرز" Foreign Affairs المتخصص في مناقشة قضايا السياسة الخارجية الأمريكية تقريرا عن تنظيم القاعدة وتقديرات المحللين بشأن عودته من جديد... وذكر التقرير أن التوقعات بانتهاء تنظيم القاعدة يظل افتراضات حتى وكانت التقارير عن التنظيم تقول بأنه قد انهار بالفعل.. تقرير "الفورين أفيرز" يثير في الذهن سؤالين لما يردا بالتقرير: الأول، يتعلق بمستقبل التنظيمات الإرهابية، أما السؤال الثاني فيتعلق بإمكانية وكيفية القضاء عليها.


المتابع لتاريخ التنظيمات الإرهابية التي تنطلق من أيديولوجيات دينية يعرف أنها تتخذ أشكالا مختلفة ولكنها لا تموت.. الكثير من أعضاء الجهاد الإسلامي في مصر انضموا إلى تنظيم القاعدة وعلى رأسهم الظواهري، والكثير من أعضاء جبهة النصرة في سوريا انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية.. أعضاء هذه التنظيمات يتنقلون بين الجماعات والتنظيمات، فما أن يضعف تنظيم أو جماعة ما حتى يظهر تنظيم آخر في المكان نفسه أو في أماكن أخرى.. عولمة التنظيمات الإرهابية مكنتها من تكوين شبكات لها في دول مختلفة، فتنظيم القاعدة له فروع "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" و"تنظيم القاعدة في المغرب"، وتنظيم "أنصار الشريعة" له فرعان في تونس وفي ليبيا.. أما تنظيم الدولة الإسلامية فله "ولايات مختلفة في آسيا من بينها فيتنام.

هذا الانتشار قدم فكرة عن طبيعة تكوين هذه التنظيمات ومستقبلها، فهي مثلها مثل التكنولوجيا تندمج وتغير أشكالها ولكنها لا تموت، لأن الفكر الذي يغذي هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية ينتشر لأسباب مختلفة، حتى أن انحساره يكون وقتيا بفضل الضربات الأمنية ثم لا يلبث أن يعاود انتشاره.. هذه التنظيمات تشبه في انتشارها مرض السرطان، ولذلك ترى حكومات كثيرة أن أفضل طريقة للقضاء على التنظيمات الإرهابية هي الضربات الأمنية المتلاحقة.

والحقيقة أن العلاج الأمني لن يقضي على الإرهاب ولا على التنظيمات الإرهابية.. هذه الحقيقة التي تهرب منها حكومات بأكملها تؤكدها الدراسات الأكاديمية والمتعلقة "بالدراسات النقدية في الإرهاب" أو Critical Terrorism Studies.. تعتبر "الدراسات النقدية في الإرهاب" حديثة نسبيا وقد ظهرت بعدما وجد الباحثون أن معظم الدراسات التي تتناول "الإرهابي" باعتباره "إرهابيا بالضرورة" Essential Terrorist متحيزة وتغفل الأسباب الحقيقية وراء الإرهاب.

هذه الدراسات بدأت تناقش الإرهاب باعتباره ظاهرة اجتماعية يفرزها المجتمع وليس كخلية سرطانية ليس لها جذور.. ووفقا لهذه الدراسات الحديثة فإن أفضل طريقة لمواجهة الإرهاب هو التعامل معه كظاهرة اجتماعية والبحث عن أسبابه وعلاجها.. نعود للإجابة عن السؤال الرئيسي والمرتبط بإمكانية وكيفية القضاء على التنظيمات الإرهابية.. فلن تتمكن الدول التي تعاني من الإرهاب من القضاء على هذه التنظيمات طالما تركت مصادر الفكر تغذي هذه التنظيمات وتمدها بالعناصر.

من بين الملاحظات التي أوردها الباحثون في هذا النوع الجديد من دراسات الإرهاب هي فشل الدراسات التقليدية في التعرف على دوافع الشباب للانضمام إلى هذه التنظيمات.. إذا، القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية ممكن إذا بدأت الحكومات أن تناقشه كقضية مجتمعية.. التعامل الأمنى مع قضية الإرهاب يقضي على الإرهابيين ولكنه لا يقضي على الأسباب التي تنتجه فما الأشخاص الذين ينفذون العمليات الإرهابية إلا أدوات للتنفيذ.
الجريدة الرسمية