رئيس التحرير
عصام كامل

مليونية تطهير القضاء


الدعوة إلى تظاهرة مليونية بهدف تطهير القضاء، هى دعوة غريبة وعجيبة، هى دعوة لاهتزاز أهم المؤسسات فى الدولة، كنت أفهم أن تكون التظاهرة دعما لاستقلال القضاء.

أقصد السلطة القضائية، وهى القضية الأولى بالرعاية والاهتمام، فالقضاء حينما يكون مستقلا يصبح صمام أمان العدالة والاستقرار داخل المجتمع، من المؤكد أن لدينا قضاة ليسوا بعيدين عن الشبهات، لكن الجسم العام للقضاة سليم وفى عافية، فلنحافظ عليه، لا أن نقوضه، فلنسعَ إلى تقويته، لا إلى إضعافه.

ما الذى جرى حتى يتغير التظاهر من دعم استقلال القضاء عام ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ إلى دعوة لتطهير القضاء هذه الأيام؟! أوليس هو نفس القضاء، أم أننا نقصد قضاء غيره؟! وهل من الممكن أن يكون الفساد تفشى فى القضاء الذى دعمناه ووقفنا إلى جواره خلال تلك الفترة الوجيزة؟!

لقد أشرف هذا القضاء على الانتخابات النيابية - شعب وشورى - فى نهاية العام الماضى، كما أشرف على انتخابات الرئاسة فى الجولتين - الأولى والثانية - فى منتصف عام ٢٠١٢، ومع ذلك لم نسمع ولم نشاهد أحدا يدعو إلى تظاهرة مليونية لتطهير القضاء!!

أهى ازدواجية معايير؟! هل إذا جاءت الأحكام فى صالحنا، هللنا وطربنا، وإن لم تكن كذلك أصابنا الهم والغم والكرب العظيم؟!

واضح أن التظاهرة تهيئة لإصدار تشريع من مجلس الشورى - ذى الـ ٧٪ - بالإطاحة بـ٣٥٠٠ قاض، كما صرح بعضهم، هى إذن مذبحة جديدة للقضاء، لكن بشكل غير مسبوق.

نحن بصدد انحراف تشريعى، سوف يحكم بعدم دستوريته، لأنه ليس مجردا، تماماً كما كان قانون العزل الذى أصدره مجلس الشعب "المنحل".

فى الدول العريقة فى الديمقراطية، يكون هناك فصل حقيقى وتوازن تام بين السلطات؛ القضائية والتشريعية والتنفيذية، أما فى الدول الاستبدادية، فعادة ما تتغول فيها السلطة التنفيذية على كل من السلطتين الأخريين، وما نشاهده ونلحظه الآن هو سلوك استبدادى بكل المقاييس. 

إن كنتم تريدون تطهير القضاء، فلندع القضاء يطهر نفسه بنفسه، ليكن التفتيش القضائى تابعا لمجلس القضاء الأعلى، وليس لوزير العدل، حتى يكون هناك استقلال حقيقى للسلطة القضائية، لقد قام رئيس الدولة - الذى يقبع على قمة هرم السلطة التنفيذية - بإصدار قرار بتعيين المستشار طلعت عبد الله نائبا عاما، معتديا بذلك على قانون السلطة القضائية، فلماذا لم تكن هناك دعوة إلى تظاهرة لدعم استقلال السلطة القضائية؟!

يا سادة، ما هكذا تورد الإبل، إن كنتم تريدون العودة بسن المعاش للسادة القضاة إلى ٦٠ سنة، فلتكن هناك إعادة هيكلة للجهاز الإدارى للدولة كله وعلى مستوى كافة المؤسسات، ثم ما هو ترتيب هذه القضية فى سلم الأولويات الآن؟ أرى أن إعادة هيكلة وزارة الداخلية أولى، حتى تعود إليها عافيتها سريعا، وينعم الوطن والمواطن بالأمن والأمان.
الجريدة الرسمية