رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير أبو ضحكة جنان


يبدو أن السيد وزير الصحة يؤمن بما قالته سيدة الغناء العربي "تفيد بإيه يا ندم وتعمل إيه يا عتاب"، لذلك بدا بشوشا أمام كاميرات المصورين في مصيبة قطاري الإسكندرية، وظهر ثغره البسام في تحد صارخ لمشاعر تصيب الكافر بالغم والهم، ولكن مال الوزير بالغم الجماهيري أو الهم الإنسانى الذي زحف إلى كل بيت من بيوت مصر، إزاء عدد كبير من الضحايا المقتولين عمدا مع سبق الإصرار والترصد.


ومن نواقض المواقف أن السيد الوزير المبتسم في غير موضعه، أحال المسعفين اللذين التقطا "سيلفى" مع جثة القطار الممددة على القضبان إلى حدودنا مع ليبيا، ولم يصدر لنفسه قرارا بالنقل إلى حلب الجريحة بفعل فاعل عربي، وهو الموقف الذي يتسق مع التناقض الذي مارسه علانية أمام الناس، في بر مصر المصابة بداء "الوزراء الموظفين".

ولم تكن الابتسامة المفخخة التي أطلقها أحمد عماد، هي الوحيدة في بحر الصدمة الإنسانية، فقد سبقه أحد مسئولى الوزارة بالقول إن وزارته الميمونة قد نجحت في نقل جثامين الضحايا إلى ذويهم بالمجان، أي والله بالمجان، وهي خدمة يجب أن نشكر عليها وزارة الصحة التي آلت على نفسها تحمل أعباء آخر رحلات المقتولين إلى مثواهم الأخير، وهو دور لا تقوم به إلا وزارة إنسانية دفعت من جيب السيد الوزير ورفاقه في الوزارة، ثمن البنزين الذي تم تحرير سعره، لذا وجب علينا نحن سكان مصر أن نتغنى بهذا الإيثار غير المعهود.

أيضا، قال قائل من وزارة سيادته إن جميع المستشفيات لديها الاستعدادات الكاملة لاستقبال الجرحى في حادث القتل المتكرر، وهو أمر بالغ الحساسية وامتداد لخدمات تقدمها الدولة طواعية دون أن يضغط عليها أحد، ويجب أن تشكر عليه، كما اعتدنا أن نشكر سائق التاكسى لأنه تطوع وأوصلنا إلى ما أردنا بعد أن أخذ المعلوم.

وما فعله الوزير ومسئولوه يؤكد الحقيقة الراسخة في أذهان كل مسئول مصرى، من أن "الشعب في خدمة الحكومة"، وهو الأمر الذي يذكرني بما فعله فينا من قبل وزير داخلية مبارك، عندما قرر وحده أن يغير مصطلح الشرطة في خدمة الشعب إلى الشرطة والشعب في خدمة النظام، وقد أراد بذلك أن يزيل عن وزارته فكرة ممقوتة رددناها كثيرا دون أن ندري، من أن خدمة الشعب إهانة لوزارته التي كانت السبب الرئيسي في ثورة ٢٥ يناير.

وفكرة خدمة الشعب تعد إهانة في عرف الحكومة، فناس الحكومة غير ناس الشعب، الأولى من طينة وعجينة غير طينة الشعب، ولذا ابتسم الوزير أمام الكاميرات فالضحايا "أناس دونيين".. مجرد مواطنين من الشعب، أما الوزير وزمرته فهم الأعلون، ولا يجب عليهم أن يتصنعوا الحزن على ما لا يجب أن يحزن أمثال الوزراء عليهم.. الوزراء قلة مختارة أما الجماهير فكثرة غير مرغوب في وجودهم.

وللوزراء الحق في اعتقادهم الراسخ، إذ أن مشكلات مصر سببها الشعب، ولك أن تتخيل لو خلت مصر من الشعب، وظل الوزراء وحدهم في هذا البلد الممتد طولا وعرضا ببحاره وأنهاره وخيراته التي ستعم على الحكومة، لو انفردت وحدها بوطن في حجم مصر.. لن تكون هناك أزمة إسكان، وسيصبح لكل وزير ضيعة تصل مساحتها إلى محافظة، ولن تكون هناك حاجة أصلا إلى القطارات، فالسادة الوزراء يمتلكون السيارات الفارهة.. لن يكون هناك زحام كما نسببه لهم الآن.. باختصار ستكون مصر بلد الوزراء والأثرياء والحكام.

تجاهل الوزراء أنهم لكى يكونوا وزراء لابد وأن يكون هناك شعب يحكمونه، ولذا فإننا نطالب الحكومة بالحفاظ علينا باعتبارنا ضرورة لكي يجدوا شعبا ينقلون جثثه بالمجان، ويعالجوا مصابيه في المستشفيات الحكومية.. باختصار نحن نخضع لما قاله الراحل العبقرى نجيب الريحانى “شيء لزوم الشيء“.. نحن هذا الشيء الذي لولاه لما احتجنا إلى شيء اسمه الحكومة، ونحن هذا الشئ الذى لولاه لما فاز وزير الصحة بلقب أبو ضحكة جنان وهو الأمر الذي يفرض علينا أن ندعو الحكومة إلى عدم التفكير في التخلص منا، فنحن لسنا إلا ضرورة يفرضها الواقع لكي يكون الوزراء وزراء!!
الجريدة الرسمية