رئيس التحرير
عصام كامل

طارق الشناوي: مبارك اضطر لفتح هامش حرية بسبب قناة الجزيرة

فيتو

محمد نجيب أكثر من تعرض للظلم في "الجماعة 2"
الأعمال الفنية تعد من أسلحة حفظ الذاكرة.. والتزوير يجعلها تهتز

الفن قد يشوه التاريخ بحسن أو سوء نية.. وأي قصة محلية أو عالمية يمكن أن يحدث بها تزوير
 

رغم أن السينما تجسد تاريخ الأوطان وتعد مرآة للمجتمع فإن صناعتها بواسطة العنصر البشري الذي ينطق عن الهوى يجعلها فرصة سانحة لتزوير التاريخ، وأداة لينة يستطيع من خلالها الحكام تغيير وعى الشعوب، فلكل نظام مريدوه أو بتعبير أدق "المطبلاتية" المحيطين به الذين يسبحون بحمده ويجعلونه إلهًا وحاكمًا بأمره.

والسينما على مدار عقود سُخّرت من أجل هذا الهدف، فكل حاكم أراد أن يشوه فترة حكم من سبقوه على ما يبدو لجأ إليها، وعلى هذا المنوال سارت حقب الحكم في مصر، وحول الدور الذي لعبه الفن في تزوير الحقائق التاريخية في مصر، ودور السينما بالتحديد في تزوير تاريخ الحكام السابقين لمصلحة الحاليين، وأشهر الأعمال في هذا الصدد، ومدى تأثير ذلك على المتلقي، كان الحديث مع الناقد الفني، طارق الشناوي، الذي أكد بدوره أن الفن من الممكن أن يزور التاريخ، سواء كان بسوء نية أو بحسن نية..وإلى نص الحوار.


- في البداية.. هل نجح الفن في تزوير الحقائق التاريخية في مصر؟
الفن من الممكن أن يزور التاريخ، سواء كان بسوء أو بحسن نية.. يعني مثلا فيما يتعلق بفيلم "صلاح الدين" توجد به شخصيات مثل عيسى العوام، وهى شخصية ليس لها وجود في التاريخ، هناك أخطاء، ولكن أنا أتصور أن هذا ليس مقصودا به شيء، وليس المقصود به التزوير، إنما الهدف منه هو صناعة عمل فني جاذب، ولكن هذا ما وصل للناس.

- كيف يتم توظيف الفن منذ زمن، وتحديدًا السينما، ومن بعدها التليفزيون، في تزوير تاريخ الحكام السابقين لمصلحة الحاليين؟ وما أشهر هذه الأعمال؟
أرى التزوير في فيلم اسمه "الله معنا" لأنه فيلم يتناول ثورة 1952، وكانت به شخصية لـ"محمد نجيب" أول رئيس مصري، القصة كتبها إحسان عبد القدوس، وهو حكى لي أن الرئيس جمال عبد الناصر، منع عرض الفيلم، ولما قابله قال له: احذف شخصية محمد نجيب لأنه كان فيه إيحاء بأهمية شخصية نجيب التي كان يقدمها ممثل اسمه زكي طليمات، واستجابة لذلك تم حذف الشخصية، ووافقوا على عرض الفيلم، ممكن هنا أن نقول إن هذه الواقعة بها تزوير متعمد.

وتم توظيف الفن في مواقف عديدة، سواء في الغناء أو الدراما أو السينما، الملك فاروق نفسه تعرض لظلم، لأنه لم يكن بالفساد الضخم الذي قامت ثورة 1952 من أجله والذي صورته السينما.. الملك فاروق حينما بدأ حكمه بالمناسبة كان ينظر إليه في عام 1936م، على أنه الأمل القادم.. شاب جديد كان عمره 16 سنة، ولكن في السنوات الأخيرة لحكمه كان يوجد بالفعل فساد، لكنه لم يكن "سكري" أو زير نساء كما يتم الترويج لذلك، وإنما كان يلعب القمار، ويبدو أن هذه كانت نقطة ضعفه.. والمعلومات تقول إن سعد باشا زغلول أيضًا كان يلعب القمار، أنا لا أبرر لعب القمار لكن أريد أن أقول إن هناك أخطاء شخصية وقعت من الممكن أن يقع فيها الناس والملك وقع فيها.

- وهل يتم تنفيذ ذلك بصورة تلقائية أم بتعليمات فوقية؟
أحيانًا تكون هناك تعليمات، يعني مثلًا مؤكد أنه حينما قامت ثورة 1952 كان فيه تعليمات للسينما بأنها لا بد أن تمجد في الثورة، وأن تهاجم الملك فاروق، بل إن هناك بيانًا أصدره محمد نجيب بمجرد أن تولى الحكم بعد قيام الثورة يحمل هذا المعنى.. وبالطبع في زمن جمال عبد الناصر لم يكن هناك أفلام يمكن أن تدافع عن الملك فاروق.

- مسسلسل "الجماعة"، كمثال، هل أهان تاريخ محمد نجيب؟ وما تفسيرك بعد أن أطلق الجيش اسمه على أكبر قاعدة عسكرية؟
أرى أن محمد نجيب تم ظلمه في الجماعة بالفعل؛ لأن الكاتب وحيد حامد أوحى أن نجيب اشترك ولو بشكل غير مباشر في محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، طبعًا لو كان هذا الكلام صحيحًا كان جمال عبد الناصر شنقه فورًا، لكن أكيد لم يكن يوجد أي شيء يدين محمد نجيب.

- لحساب مَن تعمدت بعض الأعمال الفنية إظهار مجون الملك فاروق ونظامه؟
توجد أعمال كثيرة صُنعت من أجل إظهار مجون الملك، ولكن يمكن أن يكون المسلسل الذي كتبته لميس جابر قبل 10 سنوات قد حسّن من صورة الملك إلى حد ما، ويمكن أن يكون ذلك هو السبب الذي أدى إلى تعثر المسلسل في أروقة ماسبيرو أيام صفوت الشريف حينما كان وزيرًا للإعلام، ولكن يظل في اعتقادي أنه لا يجب أن يُقدم عصر الملكية بكل الموبقات التي ارتبطت به.

- هل أعطى السادات الضوء الأخضر للهجوم على فترة عبد الناصر في السينما؟
طبعًا في زمن السادات كان فيه ضوء أخضر لأفلام تهاجم زمن عبد الناصر والمعتقلات، وكان هناك أفلام مثل "زائر الفجر"، و"الكرنك" وغيرها، وواضح أن هذا كان بضوء أخضر من السلطة السياسية في ذلك الحين.

- البعض يزعم أن فترة مبارك كانت الأكثر حرية في تاريخ السينما.. ما رأيك؟
الحقيقة أيام مبارك لم يكن سقف الحرية بها مرتفعا، والأفلام التي انتقدت وزارة الداخلية مثل "حين ميسرة" و"هي فوضى" قررت وزارة الداخلية بعد ذلك أن تعرض عليها كل الأعمال التي تمس رجال الشرطة، زمن مبارك لم يكن مرتبطا على الإطلاق بالإيمان بالحرية، ولكن ما حدث أنه فرض عليه أمور معينة، خاصة مع ظهور عصر الفضائيات، ورأى مبارك أن الجزيرة بدأت تستحوذ على اهتمام الناس، فقرر منح الجمهور هامشا من الحرية، فبدأ يسمح بوجود قنوات فضائية مثل "دريم" و"المحور"، وهذه كانت البداية فكان بهما برامج تنتقد بعض الشيء ما يجري في البلاد، لكن حسني مبارك لم يؤمن بالحرية، ولكنه اضطر أن يفتح الباب قليلًا للحرية،لأنه بحكم التطور كان من المستحيل أن يجعل الباب مغلقًا إلى الأبد.

- وهل يتم تدمير ذاكرة أمة من خلال الأعمال الفنية المزورة؟ وما تأثير ذلك على المتلقى؟
من المؤكد أن الأعمال الفنية تعد من ضمن أسلحة حفظ الذاكرة، وحينما يفقد العمل الفني هذا الدور تهتز الذاكرة.. قديمًا كان يقال إن الشعر ديوان العرب، ولكن مع الزمن لم يعد الشعر ديوان العرب، ولكن أصبح الفيلم، والمسرحية، والمسلسل هي ديوان العرب؛ لذلك يجب الاهتمام بالتوثيق التاريخي، لأن المتلقي من الممكن إذا تم التزوير، ولو حتى بحسن نية، يعتبر أن هذه هي الحقيقة.

- هل الظاهرة محلية فقط أم عالمية؟ وما أشهر الأعمال العالمية التي زورت التاريخ؟
أي قصة، سواء محلية أو عالمية يمكن أن يحدث تزوير فيها، يعني مثلا مارلين مونرو التي سنحتفل قريبا بذكراها، بعد أن مر على وفاتها أكثر من 50 سنة قدمت في السينما بأكثر من حكاية كعلاقتها بكيندي وعلاقتها بالمخدرات وهكذا.. ولكن لا توجد حقيقة تقول إن الأفلام أجمعت عليها، وهناك وجهات نظر تم عرضها قد تتناقض أحيانًا مع بعضها.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية