رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم.. ضربة البداية لأي إصلاح!


لا شك أن ضربة البداية لأي إصلاح حقيقي مبتداها التعليم ومنتهاها أيضًا، وأول ما يجب عمله هو التخلص من فشل الثانوية العامة ونزع الخوف والرهبة من نفوس طلابها.. فليس منطقيًا أن تبقى تلك العقدة قاطرة التعليم كله، ومأساة للأسر المصرية، ومقبرة للإبداع ومعيقة للتعلم الجاد المثمر سنوات طويلة، وآن للجامعات هي الأخرى أن تتخلص من نظامها التقليدي إلى نظام الساعات الدراسية المعتمدة، واستحداث آليات لقياس القدرات واكتشاف المواهب وتنميتها مثلما فعلت دول كانت أقل منا كثيرًا ثم تفوقت علينا.. متى تتحرر العقول من الحفظ والتلقين إلى التفكير والحوار والابتكار والتحليل والمبادرة..؟!


لا يحتاج الإصلاح إلى تمويل ضخم بقدر ما يحتاج إلى أفكار خلاقة وإرادة مجتمعية وتضافر جهود الجميع حتى تفرز المدارس والجامعات خريجين ذوي مهارات وقدرات عالية، تدر قيمة مضافة بدلًا من جحافلها من خريجي الكليات النظرية والعلمية العقيمة البعيدة عن روح العصر ومقتضيات المنافسة والإبداع.

الاستثمار في البشر هو الأعلى عائدًا والأكثر قيمة.. فمتى تخرج مصر من نفق التعليم المعتم ليصبح المنتج العلمي قاطرة اقتصادية قادرة على إنقاذها من أزمتها، ولا مفر، والحال هكذا، من إنشاء كليات فائقة تضاهي الجامعات العريقة عالميًا، ولتكن البداية بتخصصات حيوية شديدة الأهمية والجودة.. فلماذا مثلًا لا نختار ونحن بلد زراعي نخبة ممتازة من طلابنا وإلحاقهم بكليات زراعة فائقة الجودة لدراسة الهندسة الوراثية للنبات واستخلاص أفضل السلالات وسبل التسميد والري وتحويل المخلفات الزراعية إلى سماد عضوي، أو تحلية المياه ودراسات التربة.. ثم تجرى محاكاة هذه التجربة في مجالات وكليات أخرى لتصبح جامعاتنا حاضنات علمية لإنتاج الأفكار والاختراعات حتى تدخل مصر عصر اقتصاد المعرفة القائم على الإبداع والقيمة المضافة، حتى تحتل مكانها اللائق على الخريطة العالمية للملكية الفكرية، وتصبح مثل الهند أحد المصدرين للإبداع التكنولوجي.

يقيني أننا نملك من العقول الفذة والموارد الطبيعية ما يكفي للمنافسة الدولية، ويكفي أن نمد يد التواصل لعلمائنا الأفذاذ، وعندنا منهم ما يزيد على 100 ألف عالم في جميع التخصصات، ناهيك عن 8 آلاف آخرين في المهجر يشغل نحو 900 منهم على الأقل مراكز علمية مرموقة في الغرب.. ولا تنقصنا الإرادة السياسية الجادة ولا التمويل أيضًا.. بقي أن تجتمع إرادتنا المجتمعية على قلب رجل واحد لتتقدم مصر إلى الأمام، وتتغير إلى الأفضل بتعليم مستنير وبحث علمي منتج.. فتلك هي البداية الحقيقية لأي تقدم.
الجريدة الرسمية