رئيس التحرير
عصام كامل

خيام الإيواء بالخانكة.. هنا يسكن المنسيون «تقرير مصور»

فيتو

خيام ذائبة بمكان خالِ من البشر.. قمامة تفرش الأرض.. شمس سلطت أشعتها على تلك البؤرة.. قطط وكلاب تجد بالمكان مصدرا للغذاء الكثير.. وحشرات متنوعة تتحرك بأرجلها الرفيعة بحثا عن حشرات أصغر تصبح لها صيدة هنية وسوء مصيرها أن دهستها أرجل الناس، وخلال التجول قد يقع بصرك على قطع من الأشجار والحشائش تعتبرها من آثار الديار.


خيام هلكت
هنا وهناك بكل زاوية خيمة لن تبقى على حالها من كثرة الثقوب والأجزاء المرقعة، وكل منها تغطي هموم سنوات مضت، فتجد بإحداهما قطع أثاث متهالكة وأسرة للنوم دمرتها درجة حرارة الجو العالية، وأدوات مطبخ بلاستيكية وأخرى من الصاج مبعثرة، وترى خيما أخرى أصبحت مرتعا للقطط والزواحف، وأخرى تحتوي على ملابس كستها الأتربة وأحذية قديمة منتشرة في كل جزء.

آثار حرائق
وبجنوب هذا الموقع، تمكث حمامات بقيت كما هي، وأخرى هدمتها حرائق نشبت منذ فترة وكذلك آثار لأبنية شرع المتواجدون بالمكان في بنائها لكن لم يحالفهم الحظ في استكمالها وبجوار إحدى البوابات الحديدية المحيطة بالمكان اتخذها القاطنون مشروع جراج صغير لأكل عيش يومي.

المكان خالِِ
ليست خرابة ولا مكان دمر إثر كارثة بل هي «خيام المأوى» لمئات الأسر التي كانت تسكن بها بمنطقة الخانكة، وتم نصبها داخل الفرع الثاني لمركز شباب رياضي تابع لوزارة الرياضة إبان أحداث ثورة 25 يناير، تلك الأشياء ما تبقى من خيام الأسر بعد أن تم تسليم مساكن بديلة لأكثر من 51 أسرة منذ شهرين وتبقى نحو 20 عائلة عزفوا عن العيش داخلها بعد أن تقطعت وأصبحت غير مناسبة للاستخدام الآدمي.
التقت «فيتو» بحارس المكان الذي كان يحمل داخله أحداثا وحكايات رغب أن يبوح بها عن أصل المكان والأسر التي سكنت، وكذلك بين لنا أهدافه بعد أن يتم إخلاء المكان من الناس ويتسلمون مساكنهم الجديدة.

عزفوا عن المكان
قال محمد الرفاعي يعمل خفيرا لحراسة الأسر المتواجدة بخيم الخانكة، إنهم منذ أن تسلموا الخيم من 5 سنوات جراء احتلالهم لمساكن المحافظة بدون حق ويبحثون يوميا في الجهات الحكومية على طريقة للحصول على شقق سكنية بالقانون لتنقذهم من التشرد في الشارع.
وأضاف «الرفاعي» لـ«فيتو»، أن 51 أسرة تسلمت شقق سكنية في مدينة 6 أكتوبر منذ 3 شهور، وتبقى 19 أسرة ومن وقتها، وهؤلاء لم يأتوا إلى الخيم إلا للاطمئنان على المكان بين الحين والآخر ولم يسكنوا فيها مرة أخرى، نظرا لأن الخيم ذابت من ارتفاع درجة الحرارة وأصبحت غير مهيأة للاستخدام الآدمي.

الحكاية
وشرع الخفير في أن يلقي قصة تلك الأسر، ويبين تعاملهم مع بعضهم، وكذلك قصة الأرض التي يعيشون عليها قائلا: «أنا غفير هنا لما كانت الأرض مشروعا لبناء دار أيتام لكن صاحب الأرض توفى وباعها أبناؤه للحي، وعلى الفور تسلمتها وزارة الشباب وأنشأت بها مركز شباب ثانِ لمنطقة الخانكة، بينما حدثت ثورة 25 يناير والظروف انقلبت والمشروع توقف وإبانها بعد أن احتلت مئات الأسر مساكن في منطقة 25 يوليو قريبة من الخانكة بدون إسناد شرعي، وذلك بعد أن كانوا يسكنون بغرف، لكن الملاك قاموا بطردهم خوفا من الانفلات الأمني، فظلت الأسر بالشوارع إلى أن وجدوا تلك المساكن الخاوية، لكن عزمت الشرطة والمحافظة آنذاك على إخراج الأهالي والبحث عن أي مأوى لهم، فلم يوجد سوى نصب خيام في هذا المكان لإيوائهم».

خناقات
يؤكد «الرفاعي» أن أسلوب الأسر مع بعضهم البعض كان الاختصار، وكل يبحث عن أكل عيشه بطريقته، وعلى فترات كان يذهب البعض عند أقاربهم للمبيت ويأتي صباحا للخيام خوفا من ظلام الليل والحيوانات الضالة والحشرات الزاحفة، ونظرا لوجود أطفال معهم وأحيانا كثيرة يضيق بهم الحال ذرعا، وتنشب بينهم المعارك والصراعات ويتبادلون الشتائم بسبب ضيق الحال وعدم امتلاكهم الأموال.

الحريق
وذكر: منذ ثلاثة شهور، وقع حريق هائل في الخيم بجوار دورات المياه ولم يعرف سببه حتى الآن، ولن يسفر عن إصابات ولا ضحايا، لكن تسبب في رعب للأهالي خوفا من تكرار حدوثه، ومن وقتها تتجنب الأسر التعامل مع الأسر الأخرى المجاورة لها التي تشعر بأن بها نوعا ما من الافتراء أو القوة الزائدة.

مركز شباب
«رجوع المكان زي ما كان هي دي رغبتي» ينهي الخفير حديثه بهذه الكلمات، مشيرا إلى أن المكان مركز شباب في الأساس، لذلك بعد أن تترك بقية الأسر المنطقة وتتسلم شقق بديلة لا بد من عودة مركز شباب لاستفادة أهالي الحي منه، لأن الخانكة يسكن بها عدد ضخم من الأسر.

مساكن أكتوبر
وتابع أن أغلب الأسر في البداية كانت غير راضية عن الشقق البديلة في 6 أكتوبر نظرا لبعدها عن مصالحهم وأعمالهم ومدارس أبنائهم، واعتصموا أياما داخل الخيم حتى بعد تسليم العقود، لكن رغما عنهم ذهبوا للمساكن الجديدة هربا من وحشة الشارع، وتدهور المعيشة، فضلا عن أنه مكافأة لعمله قدم أوراقه معهم في جهاز أكتوبر وتسلم أوراق مسكن، مشيرا إلى أنه بعيد جدا عن عمله وتعليم أبنائه لكن سيستمر في حراسة المكان إلى أن يستغنوا عنه.
الجريدة الرسمية