رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كتاب «أجنحة الرؤية» يرصد قيم المجتمع المصري

الدكتورة سماء سليمان
الدكتورة سماء سليمان الخبير في الدراسات المستقبلية

"إذا فسد الإنسان في قدرته على أخلاقه ودينه فقد فسدت إنسانيته وصار مسخًا على الحقيقة".. بهذه المقولة بدأ الكتاب الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء عام 2009 بعنوان: "أجنحة الرؤية.. نحو نسق إيجابي للقيم الاجتماعية" يحلق بالمصريين إلى أفق الرؤية المستقبلية لمصر 2030 (دراسة تحليلية نقدية).


وقامت بتحرير الكتاب الدكتورة سماء سليمان الخبير في الدراسات المستقبلية بالمركز، وشارك في هذا الكتاب مجموعة من الباحثين في مجالات مختلفة.

ورصدت الدراسة الوضع القائم – بدون تجاهل المراحل الزمنية ومستشرفه لرؤية مستقبلية، دون أن يتحول الأمر إلى درس في الأخلاق الحميدة، ويحتوي الكتاب على ثلاثة فصول: "ماهية ومصادر وأنواع القيم، أسباب وتداعيات تدهور منظومة القيم الإيجابية وأخيرا إستراتيجية تحقيق الرؤية المستقبلية".

وركز الفصل الخاص بتطور القيم في المجتمع المصري على التطور القيمي في مصر منذ كانت تحت الحكم العثماني حتى الوقت الراهن.

ويبدو الوعي البحثي واضحا في الربط بين منظومة القيم وبين السياق السياسي والاقتصادي، فالحكم العثماني لم يعر أهمية للقطاع الصناعي ولا لسواه من أساليب الإنتاج، لأنه ما كان يستمد شرعيته من موقعه بالنسبة إلى أساليب الإنتاج السائدة، بل كانت شرعية وجوده شرعية دينيه، باعتباره وريثا غير مباشر للخلافة العباسية، وهو ما أدى إلى سيادة التخلف الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي القيمي.

وتلا ذلك ظهور القطاع الصناعي في مجتمع لم يكن قد خطى إلى مرحلة الحداثة بعد، فقد ظهرت "قيم جديدة للمجتمع، في الوقت الذي ظلت فيه قيم المجتمع التقليدي ماثلة وعاملة، والنتيجة ظهور مجتمع انتقالي بين التقليدي والصناعي".

أما فترة الخمسينيات فقد تميزت بظهور مجانية التعليم التي كانت عاملا مؤثرا في إضعاف الفواصل بين الطبقات الاجتماعية وقد كان التحاق الطبقات الدنيا بالكلية الحربية أحد أهم تجليات تلاشي الحواجز الطبقية، ثم كانت سياسة الحقبة الناصرية سببا آخر في خلخلة مواقع الطبقات الاجتماعية.

وبمجيء السبعينيات والثمانينيات كانت كارثة الانفتاح الاقتصادي وهو ما ساعد على بروز قيم "الفردية والأنانية"، ولابد وأن يلفت انتباه القارئ برصد أهم أنواع الخلل التي حدثت في تلك الفترة، حيث أصبح العمل في خدمة كل ما هو أجنبي طموحا وتميزا ليس فقط على المستوى الرسمي (من قبل الدولة) بل أيضا على مستوى الثقافة الشعبية، وهو ما نسميه عقدة الخواجة.

وفي تلك الفترة بدأت الهجرة المصرية إلى دول النفط مما أدى إلى تغيير المراكز في السلم الاجتماعي وتزايد حدة الطموح الاستهلاكي "مما ساعد على ظهور قيم سلبية مثل "المباهاه الاجتماعية والنهم في اقتناء كل ما هو ثمين، والتعالي والأنانية".

وتبدو فترة السبعينات في التحليل العلمي المقنع الذي يقدمه الكتاب وكأنها دفعت بالمجتمع المصري سريعا إلى التدهور الملحوظة تجلياته الآن.

وأدت ظاهرة التضخم إلى ظهور شرائح اجتماعية جديدة مثل ملاك العقارات الجدد وأصحاب مكاتب التصدير والاستيراد، وهو ما رسخ "ضعف التمسك بالأخلاق لتعلو قيم "الشطارة والفهلوة وانتهاز الفرص وتنمية العلاقات الشخصية بأصحاب النفوذ".

وأصبح الاستثمار غير المنتج رمزا للصعود الطبقي كمساكن الطوب الأحمر والكتل الأسمنتية في القرية والاستثمار في سيارات الأجرة وإقامة البوتيكات والمشروبات الغازية، وكان من نتاج هذا الحراك الاجتماعي العنيف أن الممارسة الثقافية التي تعبر عن جوهر المجتمع تغيرت تماما، فانتشر التغريب وتقليد نمط الحياة الأمريكية من قبل طبقات حديثة العهد بمستوى الدخل العالي والتعليم الأجنبي، وهو ما زاد من تفضيل كل ما هو أجنبي أمريكي على كل ما هو وطني مصري.

وتغيرت اللغة اليومية الدارجة وزاد اقحام كلمات إنجليزية بلا مبرر وحتى الموسيقى دخلتها معان وألحان سوقية لم يكن يقبلها الذوق العام.

وكانت التربية ممهدة تماما لما حدث في التسعينيات وما بعدها، وهو الجزء الأطول في الكتاب وهو من الأهمية بمكان لأن ما بدأ وقتئذ استمر وتضاعف حتى يومنا هذا، وقد ركز بمزيد من الشرح والتفصيل لتراجع وانتفاء العديد من القيم مثل: قيم الخير والحب، والإحساس بالأمان والطمأنينة، العدالة، القدوة، والعلم، والتفكير العلمي، والعمل، والأمانة، وقيمة الأسرة، وتغير قيم الريف، الانتماء للوطن، وغموض القيم العامة:

وتطرق الكتاب لأهم التداعيات التي نشأت عن التطور التاريخي الحادث في قيم الإنسان المصري والذي انعكس على طبيعة الشخصية المصرية، وعلى السمات التي تتميز بها، حيث تميز الكثيرون من المصريين بما يسمَّى بالشخصية السلبية والعدوانية وبالاعتمادية والاستهوائية وبالتمركز حول الذات وعدم المثابرة، وأصبح لدى الشخصية المصرية تصور خاطئ للدين، وبإهمال الواقع المادي والانغماس في القرارات الانفعالية.

كما تطرق الكتاب للأسباب التي أدت إلى تدهور المنظومة القيمية في المجتمع المصري على مستوى البيئة الداخلية والإقليمية والدولية، كما طرح الكتاب بعض الاعتبارات الأساسية في فهم الأزمة القيمية وتفسيرها أهمها: أن الأزمة القيمية ليست أزمة فرد أو أزمة ذاتية وإنما هي أزمة بناء أو أزمة نسق اجتماعي يضم بداخله نظمًا اقتصادية واجتماعية وسياسية متناقضة.

وتتشكل الأزمة القيمية بسبب عوامل مختلفة، بعضها داخلي يرجع إلى تناقضات كأمنة في البناء الاجتماعي ذاته وبعضها خارجي يرتبط بتحديات مؤثرة في بنية المجتمع وفي ظل ظروف التحول تؤدِّي تناقضات الداخل وتحديات الخارج إلى تفاقم حدة الأزمة، وينتاب الناس حالة من الإحباط تدفعهم إما إلى الاستكانة أو التمرد، وفي الحالة الأولى يتبلد الشعور ويفقد الناس الحماس للمشاركة في العملية الإنتاجية، وفي الحالة الثانية تنتشر مظاهر التمرد في أشكال متباينة من السلوكيات الهدامة لقيم المجتمع وأخلاقياته.

وتُعَدُ الأزمة موقف تحدٍّ يواجه الجماعة الاجتماعية ويهدد الكيان الاجتماعي كله وتظهر مؤثراته على المستويين النفسي والاجتماعي، حيث شعور المواطن بعدم الأمان، وضبابية الرؤية المستقبلية لديه، ويتعاظم إحساسه بالقلق الاجتماعي مما يحدث حالة من التفكك والانهيار المجتمعي.

وقدم الكتاب في فصله الأخير إستراتيجية مقترحة يمكن من خلالها تنمية العنصر البشري القادر على المحافظة على قيمه الأصيلة والإيجابية والقادرة على تحقيق التنمية التي تعد هي المدخل الأساسي لتحقيق الرؤية المستقبلية لمصر 2030، حيث تحتل تنمية الموارد البشرية المكانة الأولى بين متطلبات التقدم لأية أمة، والمدخل الأساسي لتحقيق رؤية مستقبلية طموح.
Advertisements
الجريدة الرسمية