رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

علم التراث وتراث العلم


هذه المقالة عن التراث، والتراث الذي أعنيه هو التراث المرتبط بالدين، وهو يوازي عندي التراث المرتبط بالأدب والشعر وعلوم الفلك والكيمياء والفلسفة، وأول شيء أقوله هو إن هناك فارقًا بين الإسلام وتراث المسلمين، الإسلام مقدس بقرآنه وسنته الصحيحة لا شك في ذلك، ولكن التراث هو ذلك الذي وصلت إليه عقول بعض المسلمين الأوائل في فهمها للقرآن والسنة النبوية سواء كانت عملية أو قولية، فإذا انحرف فهم بعض الأوائل لهذه النصوص، أو فهموها وفق ثقافاتهم وخبراتهم وزمنهم وواقعهم الذي يعيشون فيه، فليس معنى هذا أن باقي المسلمين على مدى العصور مُجبرون على أن ينتظموا في نفس هذا الفهم، وإلا لكان معنى هذا أن الله لم يخلق إلا عقلا واحدا ثم استنسخ منه نسخًا بقدر عدد البشر إلى أن تقوم الساعة! ولذلك فإن التراث قد يلقى تقديرا من المسلمين ومن غير المسلمين بحسب أنه جهد بشري إبداعي مرتبط بزمنه، ولكنه لا ينبغي أبدا أن يلقى تقديسا أو تنزيها، هو مجرد صورة من صور ثقافات الأزمنة التي أنتجت هذا التراث.


هذا تراث ينبغي أن نستخدمه كمفتاح من مفاتيح فهم ما حدث من قبل لا أن يكون منهجًا نسير عليه في حاضرنا ومستقبلنا، قد نفهم من التراث أسباب الخلاف المؤلم الذي شجر بين صحابة رسول الله حول الحكم عندما انقسموا بين سيدنا على وسيدنا معاوية، وكيف أن صحابيين بقدرهما يقتتلان بجيوشهما، فنفهم من هذا أنهم بشر يرد عليهم ما يرد على باقي البشر! وقد يذهب بعضنا وهو يدرس هذا التراث إلى أن هذا الخلاف كان دينيا، أو دينيا من ناحية ودنيويا من ناحية أخرى، وقد يذهب آخر إلى أن هذا الخلاف كان في حقيقته صراعًا على السلطة بين بني أمية الذين كانوا ملوكًا على قريش وأهم أفخاذها، وبين بني هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد سيدنا على بن أبي طالب، وإذ نقرأ هذا التراث رغم غرابة بعضه وشذوذه إلا أننا لا يمكن أن نحمل الدين عليه ونقول للناس: إن الإسلام يسمح بكذا أو كذا، لأن ما ورد فيه هو ترجمة لأفكار ناس، وسلوك ناس، وأخلاق ناس، وتاريخ ناس، فالدين لا يُحمل على الناس، ولكن الناس يُحملون على الدين.

ومن ناحية أخرى فإننا لا يمكن أن نُضيف طريقة تفكير المسلمين الأوائل إلى العلم، ولكن نضيفه إلى تاريخ العلم، فلا شك أن ما أبدعوه وقتها كان علمًا ولكنه الآن بمقاييسنا وبما وصلنا إليه من حداثة وعلوم لا يمكن أن نعتبره علما، فمناهج التفكير وطرقه تغيرت مئات المرات، وتقدمت تقدما مذهلا، ولذلك لا يمكن أن نركن إلى طرق الاستدلال التي أبدعها الفقهاء الأوائل وإلا نكون أمام رجل يحمل الدكتوراه وقد جلس أمام فصول محو الأمية ليعرف مبادئ القراءة.
Advertisements
الجريدة الرسمية