رئيس التحرير
عصام كامل

الفساد.. وحاميها حراميها!


في أغسطس 2014 كتبت مقالا بعنوان (مواجهة الفساد.. المشروع القومي الأهم).. نعم الأهم، وأظن أنه مثل الإرهاب وربما أخطر على الوطن ومؤسساته من أي خطر آخر، ومن المؤكد أن الفساد بكل أشكاله وألاعيبه المتنوعة بات يهدد بشكل مباشر وغير مباشر ثبات الدولة واستقرارها، بعد أن رأيناه في أماكن لم يخطر على بالنا أنه اخترقها وأخضعها له!


الفساد لم يعد فقط رشوة مالية أو جنسية، أو تسهيل حق لغير صاحبه.. الفساد تطور وصار منظومة فكر تماما كفكر التطرف والإرهاب وتحول إلى أداة لإفساد العقول والنفوس والقلوب، ومعول لهدم الدول وخراب الأوطان وما يبدو منه هو القمة أو الرأس فقط وباقي جسد الفساد تحت الماء لا نراه، ولكي نواجهه ونقضي عليه لابد من ضربه في كل مكان، وتفكيك كل الطرق التي تؤدي إليه، لأن نجاح أي عمل أو مشروع كبير أو صغير مرتبط بوجود فساد من عدمه، وقلت قبل ذلك إن توافر الإرادة السياسية التي كانت غائبة عن عمد في الأنظمة السابقة ليس كافيا لنجاح المشروعات القومية الكبيرة، وإن كانت ضرورية لانطلاقها، وقلت يجب أن تكون مع الإرادة السياسية إدارة رشيدة تلتزم القواعد والقانون والشفافية.

الرقابة الإدارية تقوم بعمل جبار في مواجهة الفساد والفاسدين الذين سقطت عن وجوههم الأقنعة التي يستترون خلفها، ظنا منهم أن وظائفهم سوف تحميهم وتبعد عنهم الشكوك، فوقعوا غير مأسوف عليهم ولم تحمهم وظيفة ولا شعار براق!

الفساد عندما تمكن من رموزه حولهم إلى فَجَرة لا يستحون ولا يخجلون من أنفسهم، فاندفعوا غير عابئين بسمعتهم ولا سمعة أسرهم ولا بنظرة المجتمع لهم بعد أن يوصموا بانعدام الشرف وخيانة الأمانة!

في الأيام القليلة الماضية سقط فاسدون لم يكن يخطر ببالنا أن الفساد سيحتويهم ويضمهم إليه.. فاسدون كانوا في وظائفهم رقباء على المال العام باعوا ضمائرهم مقابل المال، وانزلقوا طواعية في بئر الرشوة واستغلال الوظيفة لإهدار المال العام للغير بدون وجه حق.. سقط رئيس لجنة التهرب الضريبي بمصلحة الضرائب لتقاضيه رشوة، وسقط أمين عام مساعد الشهر العقاري بالقليوبية لتسهيل ملكية أرض قيمتها 260 مليون جنيه بمستندات مزورة / وسقط رئيس محكمة جنح الرمل متلبسا برشوة مالية كبيرة مرقمة مقابل الحكم في إحدى القضايا لصالح أحد أطراف القضية، ولعلنا لم ننس نائب رئيس مجلس الدولة المنتحر والمتهم في قضية الرشوة الكبرى، ولم ننس نائب برلماني سابق وعضو حزب الجبهة الديمقراطية.. والأهم كان رئيس جمعية مكافحة الفساد وكان ملء السمع والبصر وضيف شهير على فضائيات كانت تتسابق إليه للظهور عليها متحدثا عن الفساد ومواجهته سقط في قضية ابتزاز واستغلال نفوذ ورشوة!
 فاسدون كثيرون يسقطون يوميا لكن دلالة هؤلاء تشير إلى خطورة الحال الذي وصلنا إليه!

تعظيم سلام للرقابة الإدارية ولكل العاملين فيها.. فلم يمنعهم أحد من متابعة الفاسدين مهما كانت وظائفهم وحيثياتهم، تعظيم سلام لأنها كسرت حواجز كثيرة وحطمت تابوهات كانت في وقت مضي لا يمكن لكائن من كان أن يقترب منها!

ومع ذلك علينا أن نعترف أننا من نشجع على الرشوة ونحن من يدفعها، ونحن من يسعي للواسطة ويفتش عنها، ونحن من قدسنا رموز نعرف فسادها وظلمها وتضييعها للأمانة والمسئولية !! ثم ننقلب على كل ذلك ونمارس دور المصلح الاجتماعي الذي ما إن ينتهي من موعظته يبحث عن تحقيق مصالحه بطرق الفساد الكثيرة!

أعتقد أننا ما زلنا في حاجة إلى مشروع قومي لمواجهة الفساد في كل موقع يساهم فيه المجتمع كله حتى نستطيع تثبيت أركان الدولة وبناء مصر قوية وتختفي للأبد مقولة حاميها حراميها!
الجريدة الرسمية