رئيس التحرير
عصام كامل

العلاقات المصرية الروسية.. "ستالين" رفض تزويد مصر بالسلاح.. و"خروشوف" و"ناصر" إيد واحدة ضد أمريكا.. السادات قطع العلاقات مع الروس.. ومبارك أعادها.. وعداء "الإخوان" للروس يتحول إلى غرام لـ"المصلحة"

الرئيس محمد مرسى
الرئيس محمد مرسى وبوتين

أعادت التقارير الصحفية التي تحدثت عن رغبة روسيا في إقامة قاعدة بحرية عسكرية روسية على الأراضي المصرية إلى الأذهان عمق العلاقات العسكرية المصرية الروسية، والتي ظلت لعقود طويلة محوراً رئيسياً تعتمد عليه مصر في دعم قوتها سواء على النطاق العسكري أو على نطاق حفاظها على ميزان قوتها في المنطقة.


والعجيب أنها تأتي هذه المرة في ظل صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، وهي التي طالما عرفت بعدائها الشديد للاتحاد السوفيتي السابق، حتى أن الإخوان كانوا نواة للجماعات الإسلامية في أفغانستان في حربها ضد الروس في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

ونجد العلاقات الروسية المصرية في تصاعد وهبوط منذ ثورة عام 1952، فقد اتصل اللواء محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية، بالزعيم الروسي (جوزيف ستالين) لعقد اتفاقيات مع الاتحاد السوفيتي لجلب السلاح للجيش المصري من خلال روسيا، ولكن ستالين لم يوافق علي طلب نجيب قائلاً له: "ما الذي يضمن لنا أن السلاح الذي نعطيه لكم اليوم لن تحاربونا به في الغد؟".

ولم تتم الصفقة التي طمح إليها نجيب في عهد ستالين لتؤجل الأقدار أحلام اليوم إلي الغد وكان الرئيس جمال عبد الناصر عند توليه السلطة بعد إقصاء نجيب متجهًا نحو الولايات المتحدة الأمريكية لإعجابه بالسياسة الأمريكية، ولكن في عام 1955 بعد رفض البنك الدولي لتمويل السد بضغوط أمريكية من وزير خارجيتها (دالاس) اتجه ناصر تلقائيًا للقطب الشرقي المعادي لأمريكا، وهو الاتحاد السوفيتي، فقام بعقد صفقة الأسلحة التشيكية مع الاتحاد السوفيتي في عهد الزعيم (نيكيتا خروشوف) إلي جانب دعم موقف مصر، من خلال خروشوف، في مجلس الأمن عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي علي مصر، رافعًا حذاءه في مجلس الأمن مهددًا بأنه في حالة استمرار العدوان الثلاثي علي مصر فسيشعل نيران الحرب العالمية الثالثة، وهنا صدر قرار بوقف إطلاق النار وانسحاب العدوان الثلاثي من مصر في ديسمبر 1956.

وساهم الاتحاد السوفيتي في الحقبة الناصرية في إنشاء المؤسسات الإنتاجية عبر الخبراء السوفييت، من بينها بناء السد العالي بأسوان ومصنع الحديد والصلب بحلوان، ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي، ومد الخطوط الكهربائية (أسوان: إسكندرية) إلي جانب إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمصر وإرسال البعثات المصرية العسكرية للاتحاد السوفيتي، لتزويد الخبرات العسكرية السوفيتية للجيش المصري، وكان من ضمن هذه البعثات الرئيس السابق محمد حسني مبارك أثناء عمله بالقوات الجوية المصرية(1964 : 1965).

وفي عهد الرئيس أنور السادات كانت العلاقات المصرية السوفيتية تسير بشكل طبيعي، ولكن تأخير موعد العبور بسبب الخبراء السوفييت بالجيش المصري مع وضع شروط تعجيزية بعدم استخدام الأسلحة إلا بإذن الاتحاد السوفيتي جعل السادات يقوم برحلة للاتحاد السوفيتي لتسيير المراكب المعطلة، ولكن دون جدوي فإذ به يقوم باتخاذ قرار أذهل (ليونيد برجينيف) الزعيم السوفيتي آنذاك، بطرد 15 ألف خبير روسي وإعادتهم لبلادهم، قائلاً جملته الشهيرة: "نريد المعركة أن تكون معركتنا".

وتم قطع العلاقات المصرية السوفيتية نهائيًا عام 1976 ، ودعم السادات تنظيم القاعدة في أفغانستان عام 1979 بإرسال الجماعات الجهادية هناك لمقاومة الجيوش الروسية إلي جانب إصدار قرار جمهوري عام 1980 بمقاطعة دورة موسكو الأولمبية تضامنًا مع أفغانستان، وظلت العلاقات المصرية السوفيتية مبتورة حتي عام 1981.

وأعاد الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك العلاقات مع الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات علي خلفية درايته بالطبيعة الروسية أثناء تواجده بالبعثة العسكرية المصرية هناك، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 علي يد (ميخائيل جورباتشوف) الذي أنهي الحرب الباردة بينه وبين أمريكا.. في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب.. تحول الاتحاد السوفيتي إلي اتحاد دول الكومنولث، ثم تحول إلي روسيا الاتحادية علي يد الرئيس الروسي (بوريس يلتسين)، وتوطدت العلاقات بين مصر وروسيا الاتحادية بزيارة مبارك الرسمية الأولي عام 1997، وقع خلالها البيان المصري الروسي المشترك وسبع اتفاقيات تعاون، وأجري مباحثات واسعة النطاق للتصنيع المشترك للطائرة ( TU 204-120) والتى تم تسليم دفعة منها إلى مصر بين عامى 1998: 1999.

وقام حسني مبارك بزيارتين إلي روسيا عام 2001 و2006 وأعدت خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون في كافة المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة والتعاون في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتأتي زيارة الرئيس مرسي لروسيا استرجاعا للماضي الخاص بالعلاقات الثنائية بين البلدين، حيث وعدت روسيا بتزويد مصر بالقمح بأسعار أقل من السوق العالمية، فضلا عن توفير الدعم العسكري والاقتصادي.
الجريدة الرسمية