رئيس التحرير
عصام كامل

جامعة الدول الديكتاتورية


لمن نسي نذكره، كيف عاشت مصر عاما من الضلال الديني عندما تولى الإخوان الحكم.. كيف صعد الجهل على السطح؟.. كيف عاثت ذقون المدعين فسادًا على الفضائيات؟.. كيف حوصرت محاكمنا بالعصي والمسدسات؟.. كيف احتل التشدد المساجد وسيطر على الحديث باسم الله؟ ولمن نسي نذكره، كيف أفلتت مصر من ديكتاتورية دينية تقتل باسم الرب؟.. وكيف قاومنا ديكتاتورية الديمقراطية الإخوانية فأعدنا بلادنا إلينا؟!!

والديكتاتور كما يقول نقولا الحداد: "هو الحاكم الذي يملي إرادته فتنفذ، لا فرق بينه وبين الملك ذي الحكم المطلق إلا أن هذا وارث السلطة أو المُلك ومورثها، وفي عرف زمانه وعرف التاريخ تعد سلطته شرعية أو إلهية، أي مستمدة من سلطة الله والديكتاتور حاصل على السلطة إلى أجل غير مسمى، إما اغتصابا أو بقرار اختياري أو إجباري من هيئة ممثلة للشعب.. والديكتاتور اليوم هو الحاكم الذي يتمتع بسلطة أعلى من السلطة التي يخولها له الدستور"..

وكلمة الديكتاتورية باللاتينية تعني الفرض والإملاء ولعل أشدها قسوة كانت الديكتاتوريات الدينية أو الملكية التي يستمد فيها الملك سلطاته من الله، فيصبح هو المتحدث باسم الرب وهو المخول إليه الحكم بما يشاء، على اعتبار أن مشيئته مستمدة من السماء، والديكتاتوريات الملكية لم تبتعد كثيرا عن هذا المعنى وليس شرطا أن يكون الحاكم الفرد هو ممثل الديكتاتورية فقط، فقد تكون الجماعة أية جماعة سواء كانت دينية أو عسكرية أو حتى حزبية هي التي تقوم بهذا النظام ولعل خروج مصر مبكرا من حظيرة الديكتاتورية الدينية قد منح الكثير آمالا عريضة ليس في مصر فقط، وإنما امتد ذلك إلى مساحات أكثر رحابة.

والديكتاتورية الفردية يتسلط فيها فرد على مقومات الدولة معتمدا في ذلك على قوة مهيمنة تساعده في السيطرة وفرض إرادته على الشعب والأرض والثروة، أما الديكتاتورية الجماعية فإنها تعني تسلط جماعة على مقومات الدولة.. وعادة ما تنتشر الديكتاتوريات في المجتمعات الأكثر تخلفا وتستمد الديكتاتوريات قوتها وتماسكها من طبيعة الشعب الأقل تعليما ووعيا، وربما يكون المجتمع هو صانع هذه الديكتاتوريات بتقوقعه وتعصبه الأعمى للقبيلة والعشيرة.

وفي المجتمعات المتقدمة يصبح للديكتاتورية أشكال مختلفة أهمها الاستبداد الفكري وقتل روح الحركة داخل المجتمع، وإصباغ الحاكم بصفات فوقية فهو الأكثر فهما واستيعابا والأقدر على قيادة الشعب المغلوب على أمره.. ولعل إعادة شريط الأحداث أيام الإخوان تدلل على عكس ذلك المفهوم، حيث بدا من الممارسة أننا أمام جماعة لها مرشدها الأعلى سلطة من الرئيس، فلم يكن الرئيس سوى رمز محكوم بجماعة مرجعية هي صاحبة القول الفصل في كل شيء!!

والنموذج الإيراني هو الأكثر وضوحا في نموذج ديكتاتورية الديمقراطية، حيث تتغلب المؤسسة الدينية المتشعبة داخل المجتمع والمسيطرة على مقدرات الأمة بخلق مساحات شاسعة من المصالح التي تحيط أعضاءها وتضع العثرات في طريق المواطن العادى الذي لا يستطيع الفكاك منها ومن سطوتها؛ إلا بالانضمام إليها والسير على نهجها لدرجة لم تسمح للتيار الإصلاحي بالنفاذ إلا بالقدر المحسوب، ووفق منهج يوحي بديمقراطية من نوع خاص.

ومما لا شك فيه أن منطقتنا العربية تحظى بكل صنوف الديكتاتورية فردية وجماعية وملكية، تجعلها جامعة للدول الديكتاتورية لم يستطع الفكاك منها إلا لبنان بتجربته المتفردة والمعولمة، وتونس بمحاولاتها المتعثرة، ومصر ببداياتها الصعبة، وما غير ذلك ليس إلا إعادة تعبئة وتغليف لنماذج حكم مستنسخة منذ ظهور الدولة الوطنية عقب سنوات الاستقلال وحتى يومنا هذا.

وتعيش الديكتاتوريات العربية على خلق حالة من الفزع بين الناس وصناعة نموذج لعدو داخلى أو خارجي، وتستمد استقرارها من تخويف الجماهير من القادم الذي يتم تصديره عادة على نحو مرعب، يدفع الشعب إلى الالتفاف أو الانشغال بما سيكون في الغد من متاعب وفوضى إذا ما سقط الحكم الحالي، وهو النموذج الذي قد يورط الديكتاتوريات في حروب ومعارك لا نهاية لها أو افتعال الخلافات مع دول الجوار ولعل صناعة الطائفية بين السنة والشيعة هو النموذج الأكثر وضوحا.

وقد يراهن البعض على أن الديكتاتورية تستطيع صناعة نموذج لدولة ناجحة ويدللون على ذلك بالنموذج الصيني، وهو الأمر الذي يستبعده خبراء السياسة، حيث يربطون بين التقدم والاستقرار من ناحية، وبين الحريات المسئولة من ناحية أخرى، فالديمقراطية لا تزال هي أداة التداول السلمي للسلطة الأكثر أمانًا حتى الآن، وهي الوسيلة الأكثر حماية للاستقرار، وهي أحد أهم مقومات التقدم والانطلاق نحو الأفضل.
الجريدة الرسمية