رئيس التحرير
عصام كامل

درب الغربان وصعايدة زمان؟!


هناك في الصعيد الجوانى كان الناس أكثر تماسكًا ترابطًا وفاءً.. كنا ومازال البعض يعيش حياة العائلة الكبيرة دون التركيز فقط على أسرته الصغيرة، كانت توجيهات الكبار بمثابة أوامر لكل أفراد العائلة فكانت العائلات أكثر ودًا والتزامًا.


هناك في درب الغربان كانت الأفران البلدية توقد في المساء حتى مطلع الفجر لخبز البتاو، حيث توضع العجائن في "مواجير" الفخار ويتم استخدام "المطرحة" الخشبية للحصول على الاستدارة والسمك المناسب قبل وضعه في الفرن البلدى، وبعد تسوية الخبز تتحرك قوافل الأطفال بالخبز لتوزيعه على الأهل والجيران.

هناك كانت صوامع الغلال الطينية تعلو هامات المنازل، كانت الأزيار حاوية لمياه الشرب، كانت لمبات الجاز هي مصدر الإضاءة، ظلت الحصائر المصنوعة من الحلف والحصائر البلاستيك لفترات طويلة.

في الصعيد الجوانى كان ومازال الناس يخرجون أفواجًا لتوديع الجنائز، كانوا أكثر حرصًا على تأدية الواجب الأمر الذي قد يدفع البعض للاقتراض ليذهبوا أميالا لقضاء الواجب، الهارب من الواجب كانت تنظر له نظرة استياء من أهله وذويه.

نعم هناك في الصعيد تختلط البساطة بالعمق ترك حرص الناس على كرامتهم أكثر من حرصهم على لقمة العيش.. ترى كيف تختلط الحنية بالعصبية.. وكيف تختلط الطيبة بالقوة، هناك كانت تحسم صراعاتهم العصا الغليظة في الماضي ثم أصبح الأجداد يتمايلون ببنادقهم الخرطوش التي كنا نحرص عندما كنا صغارًا على تجميع فوارغها.

هناك كان للوفاء أقدام يمشى عليها متجسدًا في أروع صوره.. فقد رأيت كيف يدين الناس بالوفاء لبعضهم وقد رأيت جدتي تتشح بالثياب السوداء والزرقاء حتى نهاية عمرها في 2001، وذلك بدءًا من وفاة جدي عام 1956، ورغم أنها مواليد القاهرة فإن بعد استشهاد جدى عام 1956 لم تترك ابنيها الصغيرين وظلت 45 عاما بعد وفاة جدي في بيتنا بالصعيد ورأيت إخوات جدتي كيف كانوا يقطعون المسافات الطويلة لزيارتها.

هناك كان يحرص الناس على التجمع والتسامر وتبادل الزيارات.. وكان الجلوس على المصاطب والدكك خارج المنازل أو الجلوس في المنادر بالنسبة للضيوف الأغراب، وكان الصغار ينفذون توجيهات الكبار ولا يستطيع الشاب أن يدُخن سيجارته أمام أبيه أو عمه.

هناك كان النيل هو المصيف، والشارع هو الملعب، والمدرسة هي دور التربية والتعليم فكنا نجري عندما كنا نرى المدرس في الشارع، كنا نحرص على الذهاب للكتاب حال كنا صغارًا لم نتعلم من البيت أو المدرسة فقط بل تعلمنا من الشارع كيف نحتك ونتعامل مع الناس.

قديمًا كنا نتبادل الزيارات المنزلية لمشاهدة التلفاز والمسلسلات، كانت الأفراح مصدرًا للبهجة، فأيام عديدة يتم إعداد البسكويت وأيام أخرى لإعداد العيش الشمسي، أما بالنسبة للكشك فكانت أيامه بالنسبة للصغار مهرجانًا، فكان يتم سلق القمح في أنصاف البراميل، ثم يتم نشره أعلى السطوح للتعرض بالشمس، وكنا ننصب له الخيام لحراسته من الحشرات أو القطط، ثم كان يتم جرشه في الطاحون ليتم إضافة اللبن عليه بعد ذلك، ويتم تكويره باليد ليتعرض للشمس عدة أيام فوق السطوح.
الجريدة الرسمية