رئيس التحرير
عصام كامل

محمد رفيع.. مواطن من البحر الأحمر


صديقنا محمد رفيع، واحد من أهم أبطال الصحافة الإقليمية، وهو عاشق لمسقط رأسه البحر الأحمر، أصدر فيها أكثر من صحيفة ومارس العمل الصحفي هواية لا مهنة، ولأنه في الأصل محاسب قانوني فإن كتاباته تأتي محسوبة بدقة، وهو باحث من الطراز المبهر، قضى حياته يبحث في تاريخ البحر الأحمر.. الأرض.. الناس.. التاريخ البدوي للمنطقة، وكان من أهم نتائج أبحاثه موسوعة قيمة صدر الجزء الثاني منها تحت عنوان «تاريخ الآباء في تعمير الصحراء».


ويبدو أن عائلة رفيع من العائلات المهتمة بهواية الكتابة، إذ أصدر شقيقه سعيد رفيع أكثر من مجموعة قصصية، كان أمتعها بالنسبة لي مجموعة «البربوني يتجه شرقًا»، وهي تحفة أدبية تحكي فصول التغيير من الصيد إلى السياحة في البحر الأحمر، قدم فيها سعيد رفيع عدة نماذج بشرية مذهلة تستطيع من خلالها أن تشعر بمرارة الغربة التي عاناها أجيال من أبناء البحر الأحمر إزاء التغيير وزحف النشاط السياحي على عادات أهلها وقيمهم وحياتهم.

ومحمد رفيع من الصحفيين الذين مارسوا هذه المهنة بحب، دون انتظار مقابل واستطاع أن يقدم نفسه على مدار عشرين عامًا، قضاها في بلاط صاحبة الجلالة مراسلا صحفيا لجريدة الأحرار، لسان حال حزب الأحرار، إلى أن أصدر أكثر من صحيفة إقليمية، استطاع من خلالها أن يعبر عن أهله وهمومهم ومشاكلهم وأحلامهم.. على مدار هذا التاريخ توجه بتلك الموسوعة التي تتضمن كل شاردة وواردة في البحر الأحمر.

جاب محمد رفيع الصحاري باعتباره بدويًا مخلصًا لتاريخه وتاريخ البحر الأحمر، جمع في رحلاته قصصًا إنسانية مهمة وقدم عددًا هائلًا لصور نادرة لن تجدها إلا في موسوعة عكف صاحبها طوال سنوات عمره بحثًا وتدقيقًا وتمحيصًا من أجل أن يقدم الصورة الحقيقية للبحر الأحمر منذ أكثر من مائة عام، واستطاع أن يلتقي معمرين وزعماء قبائل وشبابا وشيوخا ونساء ومحافظين ووزراء.. وجمع من كل هذه الأفواه حكايات الإنسان في البحر الأحمر.

وموسوعة البحر الأحمر دراسة اجتماعية تاريخية مكتوبة بلغة أدبية بسيطة، تستطيع من خلالها أن ترى بوضوح ملامح قرن كامل تختلط حكايات الناس منذ الاحتلال الإنجليزي لمصر، وظهور أولى شركات البترول على أرض البحر الأحمر، وقصة أول سيارة بالمنطقة وحياة الصيادين، إلى أن تصل إلى قصة التحول الكبرى من الفراغ الحر وحياة الصيد وتخزين الأسماك لشهور إلى وصول النموذج السياحي المحترف، وظهور عصر جديد من تاريخ اندثار مهن وهجرة قادمة وثقافات جديدة تغير معها كل شيء حتى الإنسان.

المتابع لنشاط محمد رفيع وكتاباته يدرك قيمة أن يصبح الإنسان جزءا لا يتجزأ من المكان الذي ولد وعاش فيه، ويعرف قيمة الارتباط بالأرض، ويفهم على نحو كبير كيف يصبح الهم العام في نفوس المخلصين همًا خاصًا يعيشه في بيته وبين أسرته، كما يعيشه في الفضاء الأوسع للقبيلة، ومن ثم الفضاء الأكثر اتساعًا وهو الوطن.
الجريدة الرسمية