رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. قصة تقنين وضع 12 ألفا و302 فدان بالواحات البحرية.. قاضي التحقيق يوافق على طلب واضع اليد.. استرداد 3434 فدانا وطرحهم بالمزاد.. ولجنة التثمين تتولى تحديد المبالغ المستحقة مقابل انتفاع منذ 2009

فيتو

48 ساعة قضتها "فيتو" في الواحات البحرية مع لجنة مشكلة بقرار من المستشار صفاء الدين أباظة، قاضى التحقيق المنتدب من وزير العدل للتحقيق في قضايا فساد وزارة الزراعة والاعتداء على أراضى الدولة، وقوات الأمن، ومباحث الأموال العامة، وخبراء الكسب غير المشروع، والهيئة العامة للتنمية الزراعية.


يأتي ذلك لمعاينة 12 ألفا و302 فدان وضع يد من الشركة المصرية للإنتاج الزراعي لصاحبها عبد العزيز علي عبد العزيز، واسترداد الدولة 3434 فدانا، وتقنين وضع 8868 فدانا.

بداية القضية
كانت البداية عندما صدر قرار من المستشار صفاء الدين أباظة قاضى التحقيق المنتدب من وزير العدل للتحقيق في قضايا فساد وزارة الزراعة والاعتداء على أراضى الدولة، رقم 507 لسنة 2011 بتشكيل لجنة من الجهات الآتية: "مباحث الأموال العامة، الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، خبراء الكسب غير المشروع والأموال العامة، ممثلين من وزارة العدل، تكون مهمتها الانتقال إلى قطعة الأرض الكائنة بناحية قرية أم خليف، مركز البويطي، الواحات البحرية – الجيزة، والبالغ مساحتها 12302 فدانا، لمعاينتها على الطبيعة واستلامها من واضع اليد عليها عبد العزيز على عبد العزيز صاحب الأرض، وتسليمها إلى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، على أن يحرر محضر بالإجراءات".

وحدد قاضي التحقيق يوم 30 يوليو الماضي كموعد للمهمة، كما حدد أسماء أعضاء اللجنة المشكلة التي تتولى المهمة، وهم: المهندس على مجاهد من الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية، المهندس محمد عبد الله عبد الجواد ممثل الإدارة المركزية للملكية والتصرف، المهندس شعيب محمد عبد الكريم من الإدارة المركزية للشئون الزراعية، المهندس أحمد ربيع صالح من الإدارة العامة للمساحة، المهندس محمد عبد الله من الإدارة المركزية للمشروعات المدنية، المقدم محمد سعيد من الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، ومن خبراء الكسب غير المشروع كل من الدكتور محمد خالد، والمهندس حسن عبد الفتاح.

وفي الساعات الأولى من صباح 30 يونيو 2017، وتحديدا الساعة 7.30 صباحا تحركت «فيتو» برفقة اللجنة المشكلة من قاضي التحقيق وقوات الأمن في رحلة عمل من القاهرة إلى الواحات البحرية، لترصد بعدستها عملية استرداد أرض الدولة من عبد العزيز على عبد العزيز صاحب الأرض، بناءً على طلب قدمه لقاضي التحقيق للتنازل عن جزء من الأرض البالغ مساحتها 12302 فدان إلى الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية، والاحتفاظ بجزء آخر بعد تقنين وضع اليد عليها وسداد مستحقات الدولة عنها.

سرية عسكرية
وفي أول طريق الواحات انضم إلى الرحلة سرية عسكرية تتكون من 3 فصائل عبارة عن قوات تدخل سريع وأمن مركزي بالترتيب مع مديرية أمن الجيزة لتأمين المأمورية وأعضائها، وتحركت سيارات الأمن، والسيارات الخاصة التي تضم أعضاء اللجنة المشكلة، وسيارة خاصة بوكلاء عن صاحب الشركة واضعة اليد على الأرض التي سيتم استردادها، لنقطع مسافة 450 كيلومترا من القاهرة إلى الواحات البحرية، وبعد الوصول إلى الواحات انضم إلينا مأمور قسم الواحات وقوات أخرى لمرافقة اللجنة إلى الأرض التي سيتم استردادها، وكانت المساحة من أول الواحات حتى قرية أم خليف، مركز البويطي، وهي الأرض المراد استردادها، 50 كيلومترا.

كواليس الرحلة
وقطعنا مسافة تجاوزت 500 كيلومتر تقريبا وسط الصحراء والحر الشديد والرطوبة المرتفعة للوصول إلى تلك الأرض، قضاها أعضاء المأموية تارة في النقاش حول طبيعة المأمورية المكلفين بها، وتارة أخرى في الخلود إلى النوم، أو الاستماع إلى الراديو الذي انقطع الإرسال عنه فور وصولنا إلى الواحات، بالتزامن مع قطع شبكات بعض خطوط المحمول.

وفور وصولنا إلى قرية أم خليف، مركز البويطي، انتشرت قوات الأمن المرافقة حول الاستراحة الموجودة بالأرض للتأمين، وكان في انتظارنا وكلاء آخرين عن صاحب الأرض وشركائه في شركة الإنتاج الزراعي التي يمتلكها، وكذلك سيارتين من نوع لاند كروزر تتبع صاحب الشركة لنقل أعضاء اللجنة إلى الأرض لبعد المسافة بين الأرض والطريق الرئيسي وصعوبته، وقبل التوجه إلى الأرض لمعاينتها، استلم أعضاء اللجنة المكلفين بالمأمورية من مندوبين الشركة التي تمتلك الأرض الخرائط الخاصة بالأرض، وحددوا مساحاتها والإحداثيات الخاصة بها قبل المعاينة على الطبيعة، وانتقلنا إلى أرض الفحص بصحبة قوات الأمن، ومباحث الأموال العامة والمهندسين من هيئة التعمير والتنمية الزراعية، وخبراء الكسب غير المشروع ووكلاء عن صاحب الأرض.

وتم معاينة 12 ألف و302 فدان المساحة الإجمالية للأرض، والتي يتخللها جبال وتلال، وبعض الطرق غير المستوية أيضا تصل مساحتها إلى 1500 فدان، وكانت المأمورية داخل الأرض أشبه بـ"رحلة سفاري"، وكانت معظم المساحات صحراء، ماعدا جزء بسيط منها يبلغ 1300 فدان منزرع فقط.

وخلال جولتنا داخل الأرض المراد استردادها التي استغرقت ساعتين ونصف ساعة تقريبا، وقفت السيارات ما يقرب من 30 مرة لرفع الإحداثيات الأرض وتعيين حدودها كاملة من خلال جهاز الـ"جي بي إس"، المتصل بالقمر الصناعي، والإحداثيات هي "النقاط المساحات التي تحدد شكل أو مسطح الأرض"، ورصد كل جزء داخل الأرض من مساحات منزرعة وغير منزرعة والآبار الجوفية، وغيرها.

تضاريس الأرض
وتبين من المعاينة أن مساحة الأرض بلغت 12302 فدان، وأسفرت عن أن المساحة التي تستلمها الهيئة 3434 فدان، والمساحة التي سيحتفظ بها صاحب الأرض وتقنين وضع اليد عليها وسداد مستحقات الدولة عنها هي 8868 فدانا، وذلك لمراعاة استفادة الهيئة من المساحة التي سيتم التنازل عن للوصول إلى شكل هندسي منتظم يمكن استغلاله.

كما تبين من المعاينة أيضا أن الأرض شبه مستوية أجزاء منها منزرعة وتروى بالتنقيط عن طريق الري المحوري (بيفوت)، والمساحة التي يرويها البيفوت 150 فدانا، وبعض الأجزاء مجهزة للاستصلاح وللاستزراع وبعضها على طبيعته، والأرض منزرعة بنبات البرسيم، بالإضافة إلى وجود بعض المباني الإدراية والمخازن.

وبلغت مساحة الأرض المنزرعة وقت المعاينة 1300 فدان من إجمالي 12302 ألف فدان، ويتخلل الأرض بعض المناطق المرتفعة والتلال، والتي ستقوم الهيئة مراعاة ذلك عند قيامها بتقنين وضع اليد باستبعاد المناطق الجبلية والصخرية، أما المناطق التي يمكن تسويتها والاستفادة منها يتم تقنينها وسداد مستحقات الدولة عنها، أما الري في الأرض يعتمد على المياه الجوفية.

ويوجد بالأرض آلات ومعدات لتسوية المناطق المرتفعة، وتلاحظ وجود أعمال حفر بئر في الأرض، حيث أن الأرض بها شبكة من الطرق وموزع بفيتات على كل المسطح الذي سيتم تقنين وضع اليد عليها، وتبين من المعاينة أيضا أن بعض المساحات سبق زراعتها وبعضها تحت الاستصلاح والاستزراع وبعضها جار تسويته.

بعد انتهاء المعاينة
وبعد الانتهاء من معاينة الأرض، توجهنا إلى فندق، حيث قررت اللجنة استكمال مهام عملها في اليوم التالي، لعمل محاضر الاستلام بعد تحديد المساحات التي سيتم التنازل عنها، والمساحات التي سيتم تقنين الوضع عليها، وفور وصولنا إلى أحد الفنادق بالواحات البحرية وسط الجبل الساعة 8.30 مساءً، تناولنا وجبة العشاء وتوجه كلا منا إلى غرفته للراحة، وبعد أن حصل أعضاء اللجنة على قسط بسيط من الراحة قرروا استكمال مهام عملهم، وحضر وكيل عن صاحب الأرض واجتمع مع أعضاء اللجنة لتحديد المساحات التي سيتم التنازل عنها بعد معاينة الأرض.

وعمل المهندسون رسما هندسيا للأرض على برنامج "أوتوكاد" واستخدام برنامج "جوجل إرث" على جهاز الكمبيوتر لتحديد المساحة التي سيتم التنازل عنها والمساحة التي سيحتفظ بها صاحب الأرض، حيث تبين أن المساحات التي ترغب الشركة في التنازل عنها إلى الهيئة مساحات "ميتة" لا تصلح لأن يستفيد بها من جانب أي مستثمر آخر، حيث كان الاتفاق قبل الخروج إلى المأمورية ورفع إحداثيات الأرض أن صاحب الأرض سيحتفظ بـ4035 فدانا فقط، بينما سيتم استرداد 8267 فدان، بناءً على رغبة صاحب الأرض.

مداولات مع صاحب الأرض
وتبين من المعاينة أنه اختار المساحات المستوية الذي يستطيع الاستفادة منها، وترك المساحات الذي يغلب عليها عدم الإستواء وليس بها طريق خاص بها أو خدمات، ومحصورة بين الأرض الذي يرغب في الاحتفاظ بها والجبال والتلال، وبعد مداولات مع صاحب الأرض وأعضاء اللجنة، وبعد العرض على المستشار صفاء أباظة قاضي التحقيق كان الحل أن صاحب الأرض سوف يأخذ أيضا 4833 فدانا بالإضافة إلى 4035 فدانا الذي اختارهم بنفسه، على أن تسترد الدولة 3434 فدانا مستوية يمكن بعد ذلك طرحها بالمزاد العلني وبيعها لمستثمرين، أو أن يحتفظ صاحب الأرض بـ1300 فدان المنزرعة فقط، إلا أنه اختار أن يحتفظ بـ8868 فدان، ويتنازل عن 3434 فدان إلى الدولة، على أن يسدد مستحقات الدولة على الأرض الذي سيقنن وضعها.


كما قررت الهيئة عدم حساب الجبال ضمن مساحة الأرض التي سيتم محاسبة الشركة عليها، وفرغ المهندسون وباقي أعضاء اللجنة من عملهم في تمام الساعة 2.30 فجرا، وفي اليوم التالي، حرر أعضاء اللجنة مع وكيل الأرض محضر تنازل عن مساحة الأرض ومظاهر وضع اليد عليها والمنازعات بشأن الأرض.

محضر التنازل

جاء بالمحضر: "إنه تنفيذا لهذا القرار، أقر الطرف الثاني وهو عبد العزيز على عبد العزيز، تنازله عن مساحة الأرض 3434 فدان تنازلا كاملا غير منقوص للطرف الأول وهو الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية، حيث أقرَّ بتنازله عن وضع اليد الاعتباري والمعنوي والمادي على هذه المساحة، كما أقرَّ بتنازله عن أي منازعة أمام أي جهة من جهات الدولة بخصوص، كما أقر الطرف الأول بصفته بإستلامه المساحة المشار إليها استلاما فعليا وحقيقيا خاليا من أي شواغل".

وغادرنا الفندق لقطع مسافة 500 كيلو متر للعودة إلى القاهرة بعد نجاح عمل المأمورية في استلام مساحة قدرها 3434 فدان، وتقنين وضع 8868 فدان.

تثمين الأرض
ويقع على عاتق اللجنة العليا لتثمين أراضي الدولة تثمين الأرض المقننة بسعر البيع الحالي، ليقوم صاحب الأرض بدفع سعر الأرض الذي قنن وضعها ومساحتها 8868 فدانا، بخلاف سداد مبلغ مقابل انتفاع عن الأرض منذ وضع اليد عليها عام 2009 وحتى الآن والذي ستحدد اللجنة أيضا قيمته إلى الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية، أما الأرض الذي تم استردادها وهي 3434 فدانا ستقوم الهيئة بطرحها في مزاد علني لبيعها.

وتعود أحداث الواقعة إلى بلاغ مقدم من "عاطف على محمد صالح" إلى النيابة العامة ضد الشركة المصرية للإنتاج الزراعي التي وضعت اليد على مساحات شاسعة من الأراضي بمنطقة الواحات، وأحالت النيابة العامة تلك البلاغات إلى قضاة التحقيق في فساد وزارة الزراعة.

وأجريت التحقيقات وتم إعداد التقارير من خبراء وزارة العدل انتهت إلى أن تلك الشركات واضعه يدها على 12302 فدان، وبعد رفع المساحات والسير في إجراءات التحقيق، تقدّم صاحب الشركة بطلب لتقنين وضعه والاحتفاظ بجزء من الأرض والتنازل عن جزء آخر للدولة ودفع مستحقات الدولة عن الأرض المقننة، وبناءً عليه صدر قرار قاضي التحقيق بالتوجه إلى الأرض ومعاينتها واسترداد أرض الدولة.

يذكر أن قاضي التحقيق يحقق في مخالفات 11 شركة قامت بوضع يدها على أراضي بمنطقة الواحات، تم إحالة ثلاث شركات منها إلى المحكمة لرفض أصحابها تقنين وضعهم، فضلا عن الانتهاء من تقنين وضع شركة "سيكم للأعشاب الطبية لصاحبها رجل الأعمال حلمي أبو العيش ونجحت في استرداد 1212 فدان بالواحات.

وأخيرا تمكن قاضي التحقيق من استرداد 4343 فدان من الشركة المصرية للإنتاج الزراعية في هذه المأمورية الأخيرة.

ويلعب جنود الأمن المركزي دور الجندي المجهول بالإضافة إلى قوات التدخل السريع الذي تولوا مهمة تأمين المأمورية وأعضائها على مدار يومين وتواجدهم في المقدمة استعدادا لمواجهة اية اعتداءات أو احتمالات غير متوقعة.
الجريدة الرسمية