رئيس التحرير
عصام كامل

الأقصى الحمساوي والأقصى الفتحاوي


الذين هبوا للدفاع عن الأقصى لم يكونوا حمساويين وليسوا فتحاويين.. الذين دافعوا عن الأقصى ليسوا ملوكا وليسوا رؤساء، وليسوا قادة عرب أو حكاما.. الذين هبوا لنصرة الأقصى هم الشعب الفلسطيني التائه بين حماس وفتح، والضائع بسبب هذا الصراع المميت.. هذا الصراع الذي أضاع هيبة الأمة.. فالأمة العربية عاشت كل عصورها الحديثة رهينة الخلافات والمعارك الوهمية.. معارك الزعامة والوجاهة والقيادة.


لم يمت الشعب العربى بعد.. لم تهمد العواصم شعبيا، وإن كانت قد قبرت رسميا.. إن المعركة هذه المرة قادها شباب وشيوخ رفضوا الانصياع لهذا الوهم الساكن في عقول فلسطينية وعربية مريضة بداء الزعامة.. الذين زحفوا بأجساد عارية دون سلاح ودون مدافع ودون صواريخ؛ ليسوا مرضى بداء الزعامة القابع في عقول مريضة عاشت ولا تزال تعيش حبيسة «وهم الأنا».. الذين صنعوا النصر هذه المرة لم يحظوا بدعم معنوى صادر عن الجامعة العربية، شفاها الله وعافاها من سطوة مرض الزعامة.

في كل الحروب التي خسرناها إنما خسرناها لأن هناك شخصيات مريضة عاشت وهم الزعامة، أما ما انتصرنا فيه وهو قليل، فإن صوت الوحدة كان نبراسا له ووقودا ودافعا وحافزا.. المرابطون هناك لا يملكون إلا سلاح الإرادة.. لا تربطهم رابطة دعم أو تمويل بحاكم عربى يجود على كلاب أوروبا أكثر مما يجود به على أقصاه وعلى أمته المتعبة بفقر مدقع وخزائن الأمراء والملوك والحكام تزخر بكل صنوف العملات.

الحرب هذه المرة حرب إرادة إنسانية خالصة ضد الطاغوت الصهيوني، الذي استطاع في غفلة من الزمن أن يؤمم كل العواصم.. الشعب العربي الأعزل في فلسطين صنع نصرا بعيدا عن حصار دمشق، وقتل اليمن وتفكيك العراق، والعبث باستقرار مصر وتفخيخ ليبيا.. الشعب العربي في فلسطين أثبت أنه ليس بحاجة إلى قنبلة نووية ليواجه آلة الظلم الصهوينية؛ إذ يكفيه ألا يكون تحت راية المختلفين في قصور الحكم العربى المترهل.

الأقصى ليس حمساويا، وتحريره ليس بحاجة إلى قادة يزعمون على مدار التاريخ أنهم شهداء بالملايين، ع القدس رايحين.. والأقصى ليس فتحاويا ملتزما يعيش تحت وطأة العجز في قصر الرئاسة المنقوصة.. الأقصى يا سادة قيمة روحية إسلامية بحاجة إلى إيمان لا تزعزعه فتاوى الإرهابيين في قطر، وتصريحات العابثين في تركيا، ووهن المختلفين على من يقود الأمة إلى الانهيار الأخير.

شيوخ الأمة وأطفالها وشبابها ونساؤها الذين زحفوا سيرا على الأقدام دون دبابات ودون بنادق، ودون طائرات، هم من صنعوا نصرا جديدا ولا يزالون يواجهون القتل الممنهج دون خوف أو طمع في دنيا زائلة.. الشعب الأعزل هو الذي يواجه خطر الانقسام في البيت الفلسطيني، أما قادة حماس ورجال فتح فقد أثبت التاريخ القريب أنهم أضعف حلقات المواجهة، وأهم أسباب عزوف البسطاء في الشارع العربى، وأحد أهم أدوات اللامبالاة بالقرى والنجوع شمالا وجنوبا.. شرقا وغربا.

لقد أثبت المرابطون والمقدسيون أنهم قادرون- وحدهم- على صد العدوان وتحرير القيمة وتحقيق الانتصار.. ليسوا بحاجة إلى دانات وبارود ومجنزرات.. إن القيمة الأهم التي حققها شباب أعزل تكمن في التحرر من قيد "الزعيم".. من ذل التمويل.. من وهن التصريحات الرسمية التي تندد وتشجب وتدين.. من كل ما هو رسمى، ومن كل ما هو مدعٍ، ومن كل تابع ذليل، ومن مناضلى الحناجر في غزة، ومقاتلى التفاوض في الضفة.. ومن كل عميل يسكن الدوحة، وكل دوحة في أمتنا الخاضعة لأوامر البيت الأبيض في تل أبيب.
الجريدة الرسمية