رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

علم التاريخ وعلم الملوخية


أنا في قمة العجب، ويجب أن تكونوا معي في تعجبي، فمع احترامي لكل دارس تاريخ، أو مؤرخ، أو مهتم بالتأريخ فإنني لم أر أحدًا منهم يتبع الأسلوب العلمي لتحقيق واقعة مهمة من وقائع التاريخ حدث اختلاف بشأنها مؤخرا، وهي بشأن انضمام "فلان الفلاني" للإخوان من عدمه في فترة الأربعينيات، هذه الواقعة عندما حققها المؤرخون والمهتمون والدراميون وجدناهم جمعوا شهادات الشهود، ثم انحاز بعضهم للشهود الذين قالوا إن "فلانًا" انضم للإخوان، أما البعض الآخر فانحاز للذين قالوا إنه لم ينضم، وكان الانحياز في كلتا الحالتين قائمًا على الرؤية السياسية للمؤرخ وهواه النفسي..


ولكن الأمر في تحقيق وقائع التاريخ لا يكون بتلك السطحية أبدا، إذ ينبغي على كل من يكتب للتاريخ عن عضوية "فلان الفلاني" لتلك النوعية من الجماعات مثل الإخوان أن يدرس سيكولوجيتهم "المنغلقة"، أولئك الذين يظنون أنهم الفرقة الناجية، حيث ستكون كل الفرق والجماعات والأحزاب والتكتلات في النار أما هم ففي الجنة، لذلك لا يتزوجون إلا من حارتهم "الجيتوية" ولا يعملون إلا في مؤسساتهم، ولا يسكنون إلا متجاورين، وإن عمل أحدهم خارج دائرتهم فذلك من أجل أن ينشر ثقافتهم، وينشر دعاياتهم، ويمجد رموزهم، ويؤكد مثالية تاريخهم ومظلوميتهم.

ثم على دارس التاريخ أن يعرف الطبيعة التنظيمية للإخوان وقت الإنشاء عام 1928، ثم تلك الطبيعة بعد الانتقال للقاهرة بععد عام 1932، ثم بعد تأسيس النظام الخاص من عام 1939، ثم مع حسن الهضيبي من عام 1951 إلى وقت الخروج من السجن في بداية السبعينيات، ثم من السبعينيات إلى الآن، كيف كانت طبيعة التنظيم في كل تلك المراحل؟ هل كانت مفتوحة أم مغلقة؟ يدخلها الفرد بإرادته أم بإرادة الجماعة؟ ثم يجب أن نعرف المرجعية الفكرية والفقهية لهذا التنظيم وأهدافه ووسائله.

وبعد ذلك ينبغي على دارس التاريخ أن يدرس سيكولوجية "فلان الفلاني" الذي في عضويته أو عدم عضويته خلاف، إذ ينبغي أن نعرف ما هي نفسيته وثقافته ومرجعيته وطبيعة تدينه، وهل هذه الطبيعة تقبلها الجماعة؟ أو يقبل هو أن يكون بمرجعياته هذه في هذا الكيان، أو أنها لا يمكن أن تقبله لاختلافه معها، أو لا يمكن أن يقبلها لاختلافها معه؟!

وبعد ذلك نبدأ في مناقشة شهادة الشهود ودراسة سيكولوجياتهم وتوجهاتهم وعلاقاتهم مع هذا الفلان أكانت صداقة أم خصومة لنستطيع أن نزن شهادتهم ثم نقارنها بغيرها، وبعد ذلك لنا أن نصل للنتيجة، لكن أن نسارع بالقول بكذا لأن هناك شهودًا قالوا بكذا، أو نسارع بالنفي لأن هناك شهودًا نفوا كذا، إلى أن يخرج علينا أحدهم ليقول "أنا أعمل إيه ما هو فيه شهود قالوا إنه إخوان"، فهذا لا علاقة له بعلم التاريخ، ولكن علاقته وثيقة بعلم الملوخية.
Advertisements
الجريدة الرسمية