رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«عم بحر» سائق معدية الجزارين: 25 عاما عشرة عمر مع النيل

فيتو

بجسد يميل إلى الامتلاء، وقامة متوسطة الطول، وتقوس بسيط في الظهر، يقف عم بحر، كما يطلق عليه سكان الوراق، في كابينة القيادة الصغيرة بمعدية "الجزارين"، يمسك بقوة في الترس ويلفه بخبرة وإحكام ثم يعود إلى كرسيه، وماهي إلا لحظات قليلة حتى يعود للترس مجددا في رحلة جديدة أبطالها أناس مختلفون، عن سابقتها.


ويبدو أن سرا بين عم بحر والنيل الذي يناديه كلما ابتعد عنه، فرائحة مياهه يبدو أنها امتزجت بأنفاسه حتى أصبحت جزءًا لا ينفصل عنها، ففي شبابه حين كان مليئًا بالآمال والطموحات، مفعمًا بالحياة ومصرًا على ألا يترك مكانا على وجه المحروسة إلا ويضع فيه أثر مروره.

وبصوت يحمل الكثير من البهجة وعيون تترقب ما يحدث حولها باهتمام، يتحدث "محمد بحر"، الستيني الذي حمل على عاتقه مسئولية ربط الحياة الريفية في جزيرة الوراق بالمدينة القائمة على الضفة الأخرى، كأن خيط رفيع يجذب الطرفين، قائلا: "مفيش شغلانة مشتغلتهاش، رحت محافظات كتير وكنت بلف وارجع للبحر هنا برضو".

بالرغم من تعليمه المتوسط وبساطة حديثه، إلا أنه حين يتحدث عن النيل تشعر وكأنه يتغزل فيه يلقي له أشعارًا فيؤكد على أن مثلما للأراضي الزراعية رائحة قد تجدها في قرى محافظات الدلتا، فلمياه النيل أيضًا رائحتها التي سرعان ما كانت تجذبه إليها من جديد.

يقول عم بحر: "أنا بقالي 25 سنة بشتغل الشغلانة دي كل يوم ببدأ شغلي هنا كل يوم من الساعة واحدة الظهر لحد 7 ونص بعد العشا، كل الوقت ده بقضيه في الميه أدمنت ريحتها ومبقتش أقدر استغنى عنها"، وذلك علاوة على الأيام التي يأخذ فيها وردية مسائية تنتهي عند منتصف الليل.

هكذا أصبحت مهنة محمد بحر ومصدر رزقه الوحيد بعدما فشل في العمل كسباك في الفنادق والقرى السياحية، واستقر به المقام فوق المركب البسيط، بعدما لخص معاناته شغل  مع مهنته بالقول"مفيشسباكة والحال كان نايم".

ورغم أن هذه المهنة لم تدر ربحًا كثيرًا لبحر، ففي اليوم تتراوح يوميته بين 100 إلى 120 جنيهًا، وهو لديه أسرتان يعولهما، إلا أنه يسعد بها ودائمًا ما تكسو وجهه ابتسامة الرضا، متابعا: "بيطلعلي في اليوم 100 جنيه وممكن ناس تساعد بقرشين كده علشان عارفين حالتي، لكن اللي بيساعد مرة مبيساعدش تاني، أنا بشوف وشوش كتير فيه الكويس وفيه اللي بيطول لسانه، بس ادينا متحملين ورزق ربنا كله خير". متمنيًا فقط أن يمد أحد له يد العون في أن يعيد بناء منزله المتهالك في جزيرة الوراق ولو بمبلغ بسيط، فهو لا يحلم بأن يصبح صاحب معدية أو "معلم"، يكفيه فحسب بيت من الطوب والخرسان يستره بدلا من الطوب اللبن.
Advertisements
الجريدة الرسمية