رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير الغائب عن الذاكرة!


على الدكة الكائنة أمام منزلنا في أسيوط كانت تتنامى إلى مسامعي كثيرا عن ذلك الوزير الأسطورة، الذي حارب المخدرات والفساد وأعاد الانضباط للشارع المصري، سمعت كثيرا وأنا صغير عن ذلك الوزير الذي قال "إن قدر لي البقاء لن تجدوا سيجارة حشيش في مصر"، نعم فقد خاض اللواء أحمد رشدي وزير داخلية مصر الأسبق، حربا ضروسا ضد أباطرة المخدرات في مصر وجفف مصادره في الباطنية والبؤر الإجرامية الأخرى، وحقق انضباطا ملحوظا في الشارع المصري بما اكسبه شعبية جارفة في الشارع المصري.


أكتب عن الوزير الفارس أحمد رشدي "قاهر المخدرات" في هذا الحين لسببين الأول هو ذكرى وفاته الرابعة في يوليو الجاري، والثاني هو التوجه المحمود لمؤسسة الرئاسة في الاهتمام بالشخصيات المصرية الوطنية التي أثرت الحياة السياسية وشكلت إضافة حقيقية كأيقونات وطنية تستحق إحياء ذكراها، فقد رأينا منذ أيام قلائل إطلاق اسم الرئيس محمد نجيب على القاعدة العسكرية في الحمام، وأُطلاق اسم المشير محمد علي فهمي على خريجي دفعات الكلية الحربية، والكلية الجوية، والمعهد الفني للقوات المسلحة والمعهد الفني للتمريض، كما أُطلق اسم المشير محمد عبد الغني الجمسي على خريجى دفعات الكلية البحرية، وكلية الدفاع الجوي، وحملت دفعة الخريجين من الكلية الفنية العسكرية اسم الفريق سعد الدين الشاذلي.

إن تكريم الشخصيات المصرية الوطنية التي استطاعت أن تقوم بدور وطني بات ضرورة لشحذ الهمم وتمتين جسور تعزيز الانتماء مع الشخصيات الراحلة التي كانت لها بصمة وطنية واضحة في الحياة السياسية، وإضافة اسم الوزير الراحل أحمد رشدي في قائمة المكرمين من قبل الدولة بل وفي إحياء ذكراه ليس ترفًا بل واجب الدولة المصرية اتجاه أبنائها الشرفاء، الذي أتمنى أن يحظى بمزيد من الاهتمام.

لن ينسى التاريخ وكذلك ذاكرة الشعب ما قام به الوزير الفارس خلال فترة 19 شهرا تولى فيها حقيبة الداخلية ما بين عامين 1984 – 1986 فقد كان نموذجا يحتذى به في إدارة المنظومة الأمنية واستعادة الانضباط للشارع المصري، يتحاكى الكثيرون عن التصدي القوي لتجارة المخدرات وأوكار السموم في مصر وتوجيهه ضربات قاصمة لكبار تجارها ومروجيها.

خاض رشدي أكبر حملة عرفتها مصر في التصدي لتجارة المخدرات وأشرف بنفسه على الخطط التي تم تنفيذها لتطهير منطقة الباطنية وكَبد كبار تجار المخدرات خسائر فادحة، حتى إن أحد كبار تجار المخدرات أطلق على أحد الأصناف المخدرة "باي باي رشدي" ذلك بعد استقالة الوزير.

كان رشدي وزيرا يجمع بين البساطة والعمق، كان كثيرا ما يرتدي شبشبا وجلبابا كمواطن عادي، ويتردد على مراكز الشرطة ليطلب تحرير محضر ليقيم بنفسه كيف يتعامل الضباط وأفراد الشرطة مع المواطنين.

في ذات يوم طلب منه نجله محمود وكان يعمل ضابط شرطة مكافأة له ولزملائه فسمع والده طلبه وقال له بكرة إن شاء الله وعندما جاء اليوم التالي كتب وزير الداخلية طلب استقالة "باسم" ابنه وقام بالتوقيع بقبول الاستقالة وأعطى توجيهاته بسرعة إنهاء استقالة نجله من الداخلية حتى لا ينحاز إليه في أي طلب!

أحمد رشدي الذي كان يسكن بشقة إيجار قديم بحي النزهة كان دائم التردد على قريته في بركة السبع بالمنوفية، مؤمنا أنه لا خير في شخص يقطع حبال الود مع أهله وناسه، كما كان يتحرك كثيرا بلا حراسة.

وأولى وزير الداخلية أحمد رشدي اهتماما خاصا بثلاثة محاور رئيسية لإدارة المنظومة الأمنية تركزت في القضاء على المخدرات، والقضاء على الفساد، وتحقيق الانضباط في الشارع المصري وقد حقق في الملفات نجاحا كبيرا وعانى من صراعات الكبار التي أودت به في نهاية المطاف باندلاع أحداث الأمن المركزي عام 1986 فتقدم رشدي باستقالته، وعاش حياة المواطن البسيط كاسبا احترام الناس وتقديرهم تاركا سيرة عطرة ومشرفة جعلت أبناء دائرته بالمنوفية يتوافدون إلى منزله ليجبرونه على الترشح في انتخابات مجلس الشعب لينجح باكتساح.

نعم نحن في حاجة للتذكير بتلك النماذج المشرفة في تاريخ الوطن لنستلهم منها روح الانتماء وحب الوطن.. نعم بحاجة لظهور تلك النماذج المشرفة في جميع الميادين التي تعلي من مصلحة الوطن عن المصالح الشخصية الزائفة.
الجريدة الرسمية