رئيس التحرير
عصام كامل

خبير أمني ألماني: لابد من وجود قوة إغاثة أوروبية موحدة

فيتو

انتقد الخبير الأمني الألماني زيباستيان برونز عدم وجود سياسة أوروبية مشتركة في البحر المتوسط، مشيرًا إلى أنّ أزمة اللاجئين جعلت أوروبا تنقسم على نفسها، مؤكدًا ضرورة وجود قوة إغاثة أوروبية موحدة.

في وقت تشهد فيه القارة العجوز انقسامات كبيرة تجلت واضحة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وتنامي التيارات الشعبوية، بالإضافة إلى خلافات بين دولها حول سياسة التعامل مع أزمة اللاجئين، يدعو بعض الخبراء إلى ضرورة وجود موقف أوروبي متماسك في التعامل مع الأزمات التي تواجهها القارة، والذي سيكون عاملًا هامًا لإيقاف تدفق المهاجرين غير القانونيين عبر البحر المتوسط إليها. DW تحدثت مع الخبير الأمني الألماني زيباستيان برونز حول هذا الموضوع فكان هذا الحوار:

DW : ليبيا دولة فاشلة من جهة وإيطاليا منهكة من جهة أخرى، ما هي المخاطر الجلية في هذا القسم من البحر المتوسط الذي يتوسطهما؟

زيباستيان برونز: المنطقة الواقعة بين ليبيا وإيطاليا هي من أضيق أجزاء البحر المتوسط، وهي الطريق الرئيسي للمهاجرين غير القانونيين ولشبكات التهريب ولليائسين من الأفريقيين وبعض الآسيويين أيضًا. منذ التشديد على طريق البلقان وهذه الموجات من المهاجرين تبحث عن طريق آخر، وقد وجدت ضالتها في هذا الطريق.

وبالتزامن مع مهمة القوى البحرية للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط "صوفيا"، توجد عمليات متواصلة من قبل بعض الدول الأوروبية لإنقاذ أولئك المهاجرين، وهذا يزيد من احتمالية أن ينجو المرء بالفعل دون أن يغرق.

-لماذا لا يتم وضع هذه المنطقة تحت السيطرة؟
المساحة الكبيرة هي عامل أساسي في ذلك: المساحة الكلية لـ"صوفيا" تعادل مساحة جمهورية ألمانيا الاتحادية تقريبًا. ولدى المهمة الأوروبية هذه دائمًا بين ست إلى ثمان سفن نشطة

يضاف إليها منظمات الإغاثة البحرية، والتي تبذل جهدها من أجل إنجاز عمليات الإنقاذ البحري، ولكنها لا تكفي، لأنّ منطقة كبيرة كهذه يجب تغطيتها من خلال العديد من الطائرات، كما هو الحال الآن، من أجل تكوين صورة واضحة للوضع، وإحكام السيطرة على كل شيء. لكن هذا إجراء صعب، يتطلب في النهاية الإرادة السياسية من أجل حضور دائم.

لكنّ مسألة اللاجئين جعلت أوروبا تنقسم على نفسها. ويضاف إلى ذلك عدم وجود خفر سواحل أوروبي متكامل، بل خفر سواحل وقوى بحرية تخص دولًا معينة. ورغم أنّ وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" لديها تفويض بحري، إلا أنها مُهمَلة من قبل دول الاتحاد الأوروبي ولا تملك سفنًا أو طائرات كبيرة.

-أعلنت إيطاليا عزمها منع تمديد مهمة "صوفيا". وهكذا يجري التشكيك في مهمة الاتحاد الأوروبي هذه. ما الذي يجب فعله لتحسين الوضع؟

بالتأكيد لا يكون الالتفاف حول حقيقة مكافحة مسببات اللجوء على الأرض. ما تفعله السفن ومنظمات الإغاثة البحرية ووكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس"، من حيث المبدأ، ليس سوى مكافحة للأعراض. في ليبيا يجب بناء الهيكليات التي تمنع تهريب البشر، وفي جنوبي قارة أفريقيا يجب أن يتم مكافحة مسببات اللجوء. هذه مهمة الأجيال.

ولدينا أيضا مشكلة أنّ الموارد التي يعمل الأوروبيون على توفيرها محدودة. من جهة يتم التخطيط لتطبيق "خطة مارشال" في أفريقيا- وأنا أشك في هذا الأمر كثيرًا، ومن جهة أخرى ليست هذه المنطقة الوحيدة التي تتطلب وجود القوى البحرية الأوروبية فيها.

هنالك نقاط ساخنة أخرى يجب أن تحضر فيها تلك القوات لاسيما في الفترة الآخيرة، لأنّ شراسة روسيا تزداد منذ 2014 في سوريا وشرق البحر المتوسط وشمال الأطلسي وبحر الجنوب وفي القطب الشمالي. أرى محاولة الإيطاليين لمنع تمديد مهمة "صوفيا" عملًا يائسًا إلى حد ما.

-ما هي الأفكار الممكنة من أجل اتخاذ تدابير بديلة فيما يتعلق بالأمن البحري، من أجل العمل بصورة أكثر فاعلية في البحر الأبيض المتوسط؟


أولا، منذ عام 2016، هنالك بعثة للاتحاد الأوروبي من أجل المساعدة على إدارة الحدود الليبية، والتي تعمل على تشكيل وحدات خفر السواحل الليبية. ويبدأ هذا بتدريب البحارة وبعد ذلك تأمين التدريب والسفن والمعدات اللازمة.

لكن في ليبيا، هناك جنرالات حرب مختلفون، وحكومات متنافسة فاعلة على الأرض لا تثق ببعضها وتحارب بعضها البعض. وهذا ما من يجعل من الصعب للغاية إنشاء قوات خفر سواحل وطنية. والأمر ليس متعلقًا بخفر السواحل فقط، ولكن بشرطة موانئ وادعاء عام ومحاكم متكاملة– أي جميع الجوانب المرتبطة بــ"الإدارة الجيدة"، وهذه مهمة شاقة للغاية.

ثانيًا كان ينبغي أن تكون هنالك قوة إغاثة أوروبية في هذه المنطقة من البحر المتوسط – هذا ما طرحته في أحد المقالات. وهذا لا يعني أنّ على قوات خفر السواحل أن ترسل بنفسها مدمراتها وسفنها حربية إلى المنطقة، بل أن تتشارك دول الاتحاد الأوروبي - من خلال مشاركة قوات خفر السواحل وشرطة حماية المياه الإقليمية - مع كل هذه الوحدات الصغيرة، التي ليست مجهزة بالضرورة لمطاردة الغواصات في المحيط الأطلسي. هكذا يمكن التخفيف على القوات البحرية الأوروبية قليلا.


وفي قوة الإغاثة هذه يمكن بالطبع تجميع عدد أكثر من طواقم الإنقاذ الخاصة، وذلك من أجل أن يتسنى فيما بعد تعزيز التكامل بين المدنيين والعسكريين وعناصر الشرطة. 


في ليبيا والمنطقة البحرية هذه، هناك العديد من الأطراف المختلفة المتنافسة التي لم يتم دمجها بعد، وربما ستكون قوة إغاثة بحرية كهذه وسيلة لتحقيق هذا الشيء.


-أنت تدعو لقوة إغاثة أوروبية موحدة: كيف يمكن تنفيذ ذلك؟
اقتراحي سيكون في النهاية أخذ موضوع بناء قوة خفر سواحل أوروبية بمحمل الجد: أي إنشاء بنية متكاملة يمكن من خلالها أن تعمل الشرطة وقوى الجيش وقوى الإغاثة المدنية في البحر وتنسق مع بعضها البعض. ويجب أن تدعم الإرادة السياسية أيضًا هذه المسألة. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هذه ستكون فرصة، وعاملًا أساسيًا. وهذا يتطلب الصدق أيضًا: من أجل ماذا ينبغي تحريك قوة خفر السواحل الأوروبية هذه، ماذا ينبغي أن تفعل؟ لابد من تجنب أن يكون هذا الأمر ورقة توت لا أكثر. لا يمكننا تجنب مناقشة كيف نريد المضي قدما في مجال السلامة البحرية. ولكن قوة خفر سواحل أوروبية هكذه هي بالتأكيد الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.

د. زيباستيان برونز يدير قسم إستراتيجية القوات البحرية والأمن في معهد السياسة الأمنية في جامعة كيل.

أديلهايد فايلكه/ م.ع.ح

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية