رئيس التحرير
عصام كامل

خفض رواتبنا يا ريس!


أصبح الاندهاش عملة نادرة في مصر منذ سنوات، فمن كان لديه مساحة قليلة تسمح بمرور هذا الشعور المفتقد فإنه بلا شك يتمتع ببراءة مفرطة وحس طفولى، أو أنه لا يقرأ الواقع جيدا ويتعامى بمحض إرادته، عن وقائع كثيرة ترسخت من فرط تكرارها حتى صارت هي الواقع والقانون.. بل ودستور الحياة في مصر أم كل حاجة في الدنيا إلا العدل.


فمثلا، هناك من يصر على مطالبة السيد الرئيس بزيادات في الرواتب، أو كما طالب أحد المشاركين في مؤتمر الشباب الأخير بالإسكندرية بالنظر لما يسمى بكادر المعلمين الوهمى، ورغم علمهم وتيقنهم من إجابة الرئيس المعتادة (منين.. أجيب لكم منين) فإنه إما يحاول أن يلمع نفسه أو أنه يريد أن يندهش من إجابة الرئيس (المتوقعة) والتي سبق أن كررها سيادته في أكثر من موقف بل وإحتد فيها على نائب دمياط الذي طالب بحد أدنى للأجور يقدر بثلاثة آلاف جنيه.. طبعا كان هذا قبل قرار زيادة سعر الطاقة فما بالك بما حدث بعدها.. المهم أن هذا النائب الذي لا أذكر اسمه ولا يذكر أحدنا اسم أي نائب منهم لتشابههم جميعا في الحظوظ والاختيار والمواقف، كان يريد هو الآخر خلق مساحة من الشهرة لنفسه أو ربما كان حسن النية ويريد أن يندهش.. أو أنه كان يحيا في عالم مواز لا يقرأ فيه ما يدور حوله وحول دائرته الصغيرة أو حتى وطنه الأكبر مصر.. أم الدنيا يا عم!

الرئيس كان واضحا منذ البداية في أنه لن يعطى أحدا من المطالبين بالزيادة أي شىء.. لكن هناك من يأخذ الملايين شهريا في البنوك والبترول والكهرباء والاتصالات وغيرها من الوظائف المحظوظة والمرموقة.. خلاص عدى وفات ومن فات فلح بما اغترفه على حساب الغير لأن كل شىء يتغير في مصر إلا منظومة الأجور.. لا أحد من هؤلاء المحظوظين ومنهم نواب البرلمان أنفسهم المغترفون من أموالنا يتحدث مثلا للرئيس عن مزاياه العبثية، وبالقطع لن يطالب أحد منهم بخفض راتبه الفلكى الذي يجعله هو وأسرته وأحفاده، بل وخدمهم يعيشون في عالم وردى منفصل عن بقية المصريين بتوع طبق الفول والميكروباص المحشورين بين ثناياه، ورغيف الخبز المدعم الذي يحوم الوزير المصلحى حوله ليخفص عدده لأنه بالبلدى كده مستخسره فيهم، أو أشياء أخرى كثيرة خاصة بأغلبية المصريين الذين عندهم فوبيا حقيقية ليست من سقوط الوطن بل من سقوط أحدهم من طوله خشية إملاق (فقر وجوع) يعنى أو خشية العجز عن شراء حبوب الضغط والسكر أو حتى شريط مضاد حيوى لابنه عندما يصاب بنزلة برد!

هل تتخيل أن أحدا من هؤلاء الأثرياء بالعافية والحظوة والقانون سيأتى للسيد الرئيس ويقول له :( نحن نحب مصر يا ريس ومصر محتاجنا كلنا وإحنا رواتبنا فلكية فخذ من أموالنا صدقة للوطن وفقرائه تطهرنا وتزكينا وتمنع قيم العدل من السقوط في عين المواطن، وتحمى مؤسسات الدولة من الانهيار كما تود سيادتكم.. خذ منا واعطيهم حتى يشعروا بالعدالة وحتى تحيا مصر.. خذ منا نحن الأغنياء يا ريس واعط الفقراء.. تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.)

بالقطع لن ينطق أحد بهذا مهما كان بريئا أو وطنيا أو حتى أبله.. بالقطع لن يتنازل أحد بمحض إرادته عن نعيم يمرح فيه، حتى وإن كان غيره يحيا في نار محرقة.. إذن الرئيس كان في حاجة لمن يقول له هذا الكلام المعدل وليس المعلب.. قل للرئيس هناك من يأخذ رواتب فلكية، وهناك من يحيا تحت خط القهر اليومى، ويخشي حتى من فواته وعدم اللحاق به..

نريد يا سيادة الرئيس أن تعيد صياغة الأجور في مصر، نريد مساواة تقريبية بين أصحاب الدخول المرتفعة حكوميا وبين من يدهسهم نظام الرواتب الظالم الذي تحيا به مصر منذ عصر السادات، وقضى به على مشروع ناصر الاجتماعى.. لا تبحث عن موارد جديدة لأجورنا.. الموجود يكفى ويفيض إن تم توزيعه بشىء قليل من العدل.. فقط وزع بالتساوى على الجميع وسيكفى الجميع.. نريد أن يكون هناك عدالة أو حتى شبه عدالة تشعر الجميع بأنهم جميعا مواطنون أو حتى بشر مثلهم مثل الآخرين!

Fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية