رئيس التحرير
عصام كامل

نورهان غنيم تكتب: الفقر الفكري

نورهان غنيم
نورهان غنيم

في إحدى خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحدث عن فقر الفكر، وهذا ما دفعني للبحث في هذا المصطلح حتى وصلت إلى الكتاب القيم للدكتور يوسف إدريس بعنوان "فقر الفكر وفكر الفقر".


وأشار "إدريس" في كتابه، إلى أن ظاهرة فقر الفكر وفكر الفقر التي تؤدي إلى فقر في الحياة والإنتاج الذي ينتهي بدوره إلى فقر فكري. ووفقا لهذه الرؤية، فإن ثمة مجموعة من المعتقدات تسيطر على أنماط التفكير السائدة في المجتمع المصري وتحدد رؤيته للحياة وتحكم تفاعلاته مع الواقع الذي يعيش فيه، بشكل يؤدي في النهاية إلى الوقوع في براثن الجمود وعدم التطوير أو ما يمكن تسميته بـ"الفقر الفكري".

فالفقر لا يقتصر على العوز المادي فقط" وإنما يتجاوز ذلك بكثير ويمتد إلى رؤية الأشياء على غير حقيقتها والتعامل معها بشكل غير منطقي بما يؤدي إلى استفحالها وعدم طرح آليات فعالة لمعالجتها. ومن هذا المنطلق، يمكن أن نجد فقراء من الناحية المادية، لكنهم أغنياء بأفكارهم التي تساعدهم على التطوير والتعامل بشكل جدي وعقلاني مع الواقع وتحدياته.

إنني أرى أن المشكلة تبدأ بالفكر وتنتهي به سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الشعوب حيث أرى أن مشاكلنا هي في الأساس منتَج فكري، وأن فقر مواردنا الاقتصادية هو ابن شرعي لفقر فكرنا لذلك لابد أن تكون البداية الصحيحة هي معالجة أفكارنا وفك قيود عقولنا والتحرر من تراث اللاعقلانية الذي يجثم على القلوب ويخنق الأرواح ويقتل الإبداع، إذا نظرنا إلى دولة مثل مصر نجد فيها تكاملا اقتصاديا في مواردها الطبيعية يندر نظيره في العالم من حيث الموقع الفريد، والأرض الصالحة للزراعة وتنوع المواد الخام وثلث آثار العالم.

وأكاد أقول إنه يندر أن تكون هناك مادة اقتصادية غير موجودة في مصر، ومع ذلك فهي في مقدمة دول العالم فقرا واحتياجا وأزمات اقتصادية واجتماعية وأنا هنا لست في حاجة إلى الإسهاب في عرض مظاهر الفقر الفكري في مصر فالكل يعرف ذلك وإن حاول أن يتعامى عنه الكل، إن سيطرة الفكر الغيبي القدري على عقول المصريين أمر واضح لكل من أراد أن يرى، وانتشار ثقافة التحريم وأخص هنا تحريم تنظيم إنجاب الأطفال على أساس مقولة: إن الطفل اللي بيتولد رزقه بيتولد معاه ذلك أدى إلى الكسل في العمل وشل حركة الفكر، وعوَّق طاقة الإبداع، وساعد على انتشار الآفات الأخلاقية فانتشرت رشوة ومحسوبية، كل هذا كان له أخطر الأثر على دولاب العمل والإنتاج.

وهنا اشير إلى مثال صغير، نحن نشكو من زيادة معدلات الإنجاب، وندقُّ أجراس الخطر من إضافة مليون نسمة للسكان كل تسعة أشهر، بينما تعدادنا كله (90 مليونًا) أقل من تعداد قرية صينية واحدة، حيث يقترب عدد السكان في الصين من ملياري نسمة.

لم تنظر الصين إلى السكان باعتبارهم كارثةً، وإنما اعتبرتهم ميزةً توفر عمالة رخيصة نجحت في تدريبها وتطويرها، فجذبت استثمارات العالم إليها، ورفعت معدلات نموها، وحسَّنت من مستويات معيشة شعبها، وانتقلت من قوة اقتصادية إلى قوة عظمى.

في نهاية مقالتي أستطيع أن أقول إن الفقر ليس فقر موارد أو فقر أموال، بل الفقر فقر أفكار وأننا بفكر الفقر وفقر الفكر حوَّلنا الموارد من مميزات إلى مشكلات، وغرقنا في السلبيات.
Advertisements
الجريدة الرسمية