رئيس التحرير
عصام كامل

مكر الحكام وجهل المحكومين


كيفما تكونوا يولى عليكم، فالحاكم من نسيج الأمة، ويترجم مفهومها ومستواها الثقافى والسياسى والحضارى، فهل يتصور أحد أن فردًا من نوعية حكامنا المتألهين يستطيع أن يحكم فرنسا أو ألمانيا مثلًا...


بالطبع لا يستقيم ذلك مع نوعية ثقافة تلك الشعوب، وكذلك لو استقدمنا رئيساً أوروبياً أو أمريكياً ليحكمنا لن يمر عليه الكثير من الوقت حتى يتحدث عن المواطن البسيط وعن أزهى عصور الديمقراطية!. 

فالحالة الاجتماعية والثقافية فى مصر لا تسر، وتعبر عن تخلف فى كل المجالات، ولقد ساهم الإعلام المسيس طوال عقود من الزمان وواقع التعليم المنهار وحظر المشاركة السياسية ونجاح السياسات المناوئة لنمو المجتمع وتقدمه فى الوصول لتلك الحالة المحزنة المتردية للمجتمع المصرى.

ولقد وجد التيار المتأسلم فرصته لحكم مصر وهى تعيش تلك الحالة من السقوط الحضارى والثقافى، والتى تتوافق مع مفهومه الإنسانى والفكرى، فاختارهم الناس لأنهم يعبرون بالفعل عن تدنى المستوى الثقافى والاجتماعى لعموم الشارع المصرى، ولا يمكن إنكار تلك الحقيقة، فالناس فى مصر اختاروا ما يلبى تطلعاتهم ونفسيتهم، وكان اختيارهم يتفق مع عقولهم ومفهومهم الشكلى عن الدين واعتقادهم المشوه عن الوطنية.

سوف تظل تلك الحالة المتبلدة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، محكوم يُحكَم بالشعارات تارة وبالتدليس والخداع تارة أخرى، وحاكم يرى أن وجوده واستمرار نظامه مرهون ببقاء حالة الجهل والفقر والتخلف التى يعيشها المحكومون، والتى تضمن انقيادهم وطاعتهم.

إنه الميزان الذى وضعه المستعمرون ويرعاه المستبدون، وهو يمثل المواجهة التى نشأت واستعرت بعد الطفرة الحضارية الكبرى التى أسسها محمد على فى مصر، فخطط المستعمرون وتآمروا بغرض إجهاضها وضرب عوامل تقدمها وقوتها، ومن يومها تتجدد تلك المواجهات مكراً أم حرباً، بالأصالة أم بالإنابة ، بالعملاء الأغبياء تارة، والخونة الماكرين تارة أخرى، وعندما قامت ثورة المستنيرين فى مصر على هؤلاء الحكام زاد الحصار وتضاعفت الضغوط باستخدام نفس الوسائل، حتى صرنا على ما نحن فيه من تحجيم وإفقار وانهزامية، ولكن إلى حين!.  
الجريدة الرسمية