رئيس التحرير
عصام كامل

مصارحة مطلوبة مع وزير الداخلية


أن أستقل سيارتي بعد صلاة الفجر من المعادي إلى العجوزة، حيث مقر عملي، عادة لا يقطعها إلا الشديد القوي، بهذه الطريقة لا أعانى وعثاء السفر وسط حالة المرور المدهشة التي تسيطر على شوارعنا، فأقطع المسافة المذكورة في أقل من ربع ساعة، وأيضا أستطيع بهذه الطريقة أن أستقطع من النهار بركته؛ حيث الهدوء في طريقة التفكير ليوم عمل شاق وطويل.


فجر الأحد الماضي، كنت على يقين أن جهازنا الأمني سينشر أكمنته الثابتة في الشوارع، وبالفعل مررت بأربعة منها، وأستطيع القول دون تهوين أو تخوين إن الأكمنة الأربعة لم تكن على أهبة الاستعداد لمواجهة الخطر الذي يحيق بنا، فالأول كان نصف أعضائه منشغلين بالواتس آب أغلب الظن.. والثانى كان رجاله يتسلون بحديث جانبي، والثالث لم يكن أوفر حظا من الاثنين الأولين.. والرابع يبدو أنه يتعاطى غش الطريقة من السابقين.. إلا الجنود.. منتصبون خلف أسلحتهم.. تشعر أنهم رجال في مهمة مجهولة!!

ما قلته لا أقصد منه التهوين من تضحيات أبنائنا في الجهاز الأمني على الإطلاق، فنحن نعيش على تضحياتهم، وهذا هو سبب تناولي للقضية برمتها لأطرح عدة تساؤلات: هل نحن في حالة حرب مع مجرم عتيد يتربص بنا؟ هل نحن جاهزون لهذه المواجهة وفق ما يطرحه العلم في هذا الشأن؟ هل لدى أجهزتنا الأدوات الكفيلة بنجاحهم في الحفاظ على أنفسهم والحفاظ على استقرار مصر؟

الإجابة؛ للأسف الشديد في كل هذه التساؤلات بالنفي القاطع.. نحن هواة في مواجهة عصابات محترفة تخطط وتتدرب وتتجسس وتجمع المعلومات، وتنفذ جريمتها بخسة ودناءة، أما نحن فإننا بحاجة إلى مصارحة مع النفس ومع الوطن، للوصول إلى حماية لأبنائنا وحماية بلادنا ومقدراتنا واستقرارنا..

لا ضرر إذن إذا قلنا إن جهازنا الأمني بحاجة ماسة إلى امتلاك أدوات المعركة ليؤدي دوره بحرفية ودون خسائر تذكر، ودون أن نتجاهل أن أعتى الدول تتعرض لحوادث إرهابية مثل التي نتعرض لها، غير أن ضحاياهم أقل بكثير، إضافة إلى قدرتهم على القبض على العناصر الإجرامية في أوقات قياسية.

والسؤال: هل أبناؤنا متقاعسون؟.. بالطبع لا.. تقول الحقائق العلمية إن العنصر البشري لا يمكنه التركيز بنسبة مائة في المائة لمدة طويلة، ويشير الواقع الفعلي لعنصر الأمن المصري أنه يتحمل أعباء لا يمكن لعنصر مماثل له في دول أخرى أن يتحملها.. الراحة البدنية مطلوبة والتدريب مطلوب، والتقنية من أهم أدوات القدرة على المواجهة، والعالم من قبلنا قد اخترع «العجلة» فما الذي يجعلنا نفكر في اختراع بديل!!

لا توجد عاصمة متطورة غير مراقبة بالكاميرات، وأحد شروط الحصول على أي ترخيض لنشاط على الشوارع هو وجود كاميرات بتقنية مناسبة، تساعد الجهاز الأمني على الإيفاء بالتزاماته، إضافة إلى كاميرات الدولة المنتشرة في كل مكان، ومن بينها كاميرات دقيقة تقوم بما هو أكبر من فكرة تصوير الواقع الفعلى للشوارع والميادين.. هناك أنظمة تقوم بإبلاغ أقرب كمين متحرك بوقائع إرهابية أو حوادث غير عادية بل تستطيع أن تقوم بإبلاغ النطاق الجغرافى للحادث، وهنا يكون التحرك الأمني أكثر دقة ونجاحا وأرخص كلفة وأقل من حيث التضحيات البشرية.

في مصر كاميرات مرور بالميادين العامة تراقب الحالة المرورية، غير أن معلوماتي عنها أنها فقط لمراقبة الحالة المرورية، وحدود معلوماتي أن لدينا خبراء مصريين طرحوا الفكرة بطرق علمية تكفينا شرور القوى الظلامية التي تخطط بليل، وحدود معلوماتي أيضا أن الإرادة في هذا الشأن صفر ولا شيء غير الصفر.

النقطة الثالثة هي طغيان الأمن السياسي على الأمن الاجتماعي، علما بأن كليهما أصبح مرادفا للآخر، فالذي استهدف سياح الغردقة إنما استهدف النظام، ونال من الاقتصاد، وحقق المراد من إثارة الفتنة داخل أوساط سياحية عالمية، والأمر على هذا النحو يفرض علينا تغيير طريقة التفكير والإيمان بأن الاستثمار في المجال الأمني إنما هو استثمار في الاستقرار وبلادنا فيها من الخيرات ما لذ وطاب ولا ينقصنا غير الاستقرار.

بداية الوصول إلى حل لأية مشكلة هو الاعتراف بتفاصيلها، ومن ثم السعي للوصول إلى حل لها بناء على دراسة الواقع، والواقع يقول إن بمصر كلية وحيدة للشرطة تخرج كفاءات، ينقصها الكثير من التواصل مع أدوات العلم، أضف إلى ذلك محدودية العدد الذي تقبله كل عام.. تطوير البرامج التدريبية والمناهج الدراسية وقبول أعداد أكبر من شأنه أن ينقل تجربتنا من ردة الفعل إلى الفعل، خاصة أن إتاحة التقنية لأبنائنا في الجهاز الأمني أولوية أولى.

وإتاحة التقنية تستلزم إمكانيات مادية نستطيع في أمتنا الاقتصادية أن نوزع النصيب على المجتمع المدني.. رجال الأعمال من الممكن أن يقوموا بدور فعال، وليس من الصعب أن يكون لدينا صندوق شعبي لدعم الأمن بدلا من مسابقات التسول التي تقوم بها جهات خارج نطاق الرقابة، أضف إلى ذلك أن أصحاب المحال والشركات والبنوك يمكنهم أن يقوموا بدور فعال، وعلى وزارة الداخلية الاهتمام بإعادة التفكير في إتاحة الأدوات التكنولوجية لأبنائها وإعادة التفكير في نظام المرتبات والحوافز، فليس من المنطقي أن يكون هناك من يتقاضى شهريا مليون جنيه، بينما نقيب أو ملازم أو مقدم يتقاضى ثلاثة آلاف جنيه أو أربعة أو حتى خمسة.

إن دراسة الأمر بواقعية تؤدي بنا إلى نقلة نوعية كفيلة بحقن الدماء الزكية، وإعادة الهيبة إلى جهازنا الأمني، والعبور بالبلاد من مستنقع القتل الدائم والخروج إلى مناطق أكثر رحابة وقوة تليق ببلاد هي من علمت العالم معنى الدولة والاستقرار والبناء..
الجريدة الرسمية