رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في معية يوسف (١٨)


يوسف الصديق (عليه السلام) واحد من أنبياء الله الكرام.. هو مثل ونموذج لعمق الإيمان وقوة الصبر وصلابة الإرادة والقدرة الفائقة على الاحتمال.. وكم هي كثيرة تلك الدروس والعظات والعبر التي يمكن أن نستلهمها من قصة حياته التي امتلأت بالمحن والشدائد والشجون.. وقد ألقينا في الحلقات الماضية ضوءا على هذه المحن، حتى وصلنا إلى مرحلة التمكين، حيث أصبح يوسف أحد أهم الأعمدة الرئيسية لإدارة الاقتصاد في مصر، ورأينا كيف أنه خطط -بناء على وحي من الله تعالى - لتفادي فترة القحط التي سوف تصيب البلاد والعباد..


وعندما جاء إخوته إلى مصر، وسمح لهم بالدخول عليه، دار بينهم الحوار التالي: سأل يوسف: ما أقدمكم بلادي؟ قالوا: جئنا للميرة (أي للطعام)، قال: لعلكم عيون (أي جواسيس) علينا؟ قالوا: معاذ الله، قال فمن أين أتيتم؟ قالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبي الله، قال: وله أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا أثنى عشرة فذهب أصغرنا وهلك في البرية - وكان أحبنا إليه - وبقى شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه وجئنا نحن العشرة، فأمر (يوسف) بإنزالهم وإكرامهم (تفسير الجلالين ٢ ٢٤٩)..

مع ذلك، لم يفطن إخوة يوسف للمغزى من وراء أسئلته ولماذا اختصهم بها دون غيرهم، فقد كان همهم أن يحصلوا على ما جاءوا من أجله، وربما منعهم سلطان يوسف وهيبته من مراجعته.. (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ) أي هيأ لهم كل ما احتاجوا إليه (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) أي ائتونى بأخيكم بنيامين كي أصدقكم في حديثكم (أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) أي ألا ترون أني أتم الكيل من غير بخس (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أي وأنا خير من يكرم الضيوف، ويحسن معاملتهم كما فعلت معكم (َإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ) أي أن لم تأتونى بأخيكم فليس لكم عندي بعد اليوم ميرة، ولا تقربوا بلادى مرة ثانية.. والواضح أن يوسف رغبهم ثم توعدهم حتى يمتثلوا لأوامره.. جاء في البحر المحيط (٥ ٣٢٢): "والظاهر أن كل ما فعله يوسف عليه السلام كان بوحى من الله، وإلا فمقتضى البر أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه، لكن الله أراد تكميل أجر يعقوب ومحنته، ولتتفسر الرؤية الأولى"..

فكان ردهم: (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ) أي سوف نبذل جهدنا في طلبه منه، ولو أدى الأمر إلى خداعه والاحتيال عليه لانتزاعه من يده، وإنا لفاعلون ذلك.. واستكمالا لما بدأه يوسف (وقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ) أي قال للعاملين معه ضعوا المال الذي دفعوه مقابل الطعام الذي حصلوا عليه في أوعيتهم.. (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لعلهم يرجعون إلينا إذا رأوها، إذ مما لا شك فيه أن هذا الأمر سوف يثير استفسارات كثيرة لديهم، لعل أهمها وأبرزها هو: هل إعادة المال إليهم كانت أمرا مقصودا، أم إهمالا، أم غفلة، أم لأسباب خفيت عليهم؟ وأيا كان الحال، فقد كان من الضروري أن يعودوا مرة أخرى إلى يوسف؛ أولا: لاحتياجهم لطعام جديد، وبالتالي إعادة المال إليه، ثانيا: إحضار أخيه معهم بناء على طلبه، وثالثا: لتقديم الشكر له على تعامله الكريم معهم.. (وللحديث بقية إن شاء الله).
Advertisements
الجريدة الرسمية