رئيس التحرير
عصام كامل

التائهون بين «23 يوليو» و«30 يونيو»


ونحن نقترب من احتفال الدولة رسميًا بذكرى 23 يوليو 1952، تتبادر إلى أذهاننا عدة أسئلة أبسطها على الإطلاق هو: لماذا تحتفل الدولة بثورة 23 يوليو!؟ يمكنك تسميتها كما تشاء وفقًا لمفهومك لها، انقلاب يوليو أو الحركة المباركة كما سماها الجيش وقتها.. لا يهمنا التسمية بقدر ما يهمنا الإجابة عن هذا السؤال والذي ستكون إجابته هزلية ومضحكة أو (طفولية) لأن الدولة الحاكمة الآن تقوم تقريبًا بعكس ما قامت من أجله ثورة يوليو، بل تحاربه وتنهى أجله عدا القليل من أهدافها مثل إقامة جيش قوى وهو أمر واقع، ولكن ماذا عن بقية أهداف حركة الضباط الأحرار والتي كانت تُكتب حتى وقت قريب على أغلفة كتب ومذكرات الطلاب تذكيرا لهم بالدولة ( الأم ) الراعية لأبنائها والمتكفلة بهم وبسبل معيشتهم في هذا الوطن منذ قيام الثورة!


ثمة نوع من التشابه في الشكل والإطار الإخراجى بين ثورتي يوليو 52 ويونيو 2013، فيد الدولة كانت حاضرة وموجهة بل قاصمة لمن كان يمتلك السلطة.. ففى يوليو 52 استيقظ الشعب من نومه على بيان إذاعي يبشر الناس بخلع الملك الفاسد سليل الأسرة المحتلة العلوية لمصر منذ 1805، واكتمل المشهد وأصبح واقعًا بخروج قوات الجيش تجوب شوارع المحروسة.. هلل المصريون بتلك الثورة (الجاهزة) المريحة والتي لم تكلفهم دمًا ولا حتى نزولًا لدقائق في حر وقيظ يوليو، ثم كانت هناك قرارات اجتماعية واشتراكية فورية عظيمة انحازت فعليًا لعامة الشعب فأحب أغلبية المصريين يوليو وأصبغوا عليه صفة الثورة حتى وإن كانت غير ذلك في نشأتها.. ولكن المواطن المصرى شعر حقًا ولأول مرة بشيء من العدالة وامتلاك وطن كان مقسمًا بين الأغا الشركسى والمملوكى والتركى برعاية إنجليزية.. لم لا ينحاز لمن انحاز إليه ورعاه اقتصاديا ومنحه الحق في الحياة.. فلتكن ثورة إذن !

ويمر الزمان ويبتلينا الله بمن يهدم أسس العدالة ويرجع بنا لعهود التمييز الملكى الذي فجرت به أسرة محمد على وربما بشكل أسوأ، وتنهار قيمة العملة الوطنية بشكل خيالى ويعانى المصريون فيثوروا مرة أخرى في يناير وينتهى الأمر بالوقوع في يد اليمين الدينى الذي انحاز فقط لنظام يوليو ولكن.. بدون عدالة وقرارات اشتراكية فيخرج الشارع مرة أخرى تحت رعاية دولة يوليو وبمباركة أجهزتها علنًا..

ظن المصريون أن روائح اشتراكية عبدالناصر ستهب عليهم نسيمًا مريحًا وسيعودون لعصر المتاجر الشعبية وتموين وأسعار عبدالناصر والتعليم الموحد والعلاج المجانى وجو ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد.. فإذا بهم يواجهون توجهًا رأسماليًا يمينيًا شديد القسوة عليهم فأصابهم التيه.. نحن الآن في عصر التيه حكامًا ومحكومين، تيه سياسي واجتماعى وأخلاقى أثر فى سلوكنا وقيمنا بل امتد للعبث في هويتنا المصرية، لم ينج أحد من غياهب التيه اللعين لأن بوصلة العدالة انحرفت يمينًا تجاه قطب القوة والثروة تاركة الفقراء يدافعون عن وجودهم.

رفعت الدولة يدها عن كل شيء، بل إنها لم تكتف بذلك فحملت الفقراء فوق طاقتهم وتربحت منهم في أسعار كل الخدمات والسلع ثم بلغت بها الجرأة أن تسمي ذلك إصلاحًا! كيف يكون إصلاحًا وهو يهدم حياة أغلبية المصريين؟ كيف يكون إصلاحا وهو هدم لأسس دولة يوليو أو بالبلدى الصريح كده (حسنة) يوليو الوحيدة.. كيف يكون إصلاحًا لدولة ترونها أفسدت اقتصاديا ثم تحتفلون بها وبثورتها أو حركتها المباركة.. كيف وكيف وكيف؟ إذن بين يوليو ويونيو مساحات من التيه والعبث بكابدها هذه الأيام يمثل بعدا هزليا خاصا، ولكن الأكثر هزلية هو احتفال الدولة بيوليو وهى تقبر جوهرها وتوئد كل ما يمت بأى صلة اجتماعية أو اقتصادية لها.. تيه نخشى على الوطن من نهايته، سترك يا رب.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية