رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هذه الطفلة «عالية» ووطنيتها الرائعة


كل الذين تابعوا أمس حفل تخرج دفعة جديدة من ضباط الشرطة المصرية، اهتزوا من القلب، وهم يشاهدون الطفلة الصغيرة "عالية"، ابنة الشهيد ياسر الحديدي، مفتش الأمن العام في شمال وفي جنوب سيناء، تحكي عن اعتزازها بأبيها وعلاقتها به وكيف حزنت حين علمت أنه سينقل للعمل في سيناء، وبعد أيام من استلامه عمله استشهد في ٨ مارس الماضي، دفاعًا عن الوطن، كما علم ابنته "أنا رايح علشان نخلص مصر من الخونة والإرهابيين".


أروع ما في السرد الشجاع الذي قدمته طفلة ربما لا يزيد عمرها على العشر سنوات، قدرتها على الثبات ومواجهة شخصيات كبيرة من رئيس الجمهورية إلى رئيس جمهورية سابق إلى مشير إلى فريق إلى وزير إلى رئيس وزراء، إلى عشرات الشخصيات.. ألقت الطفلة كلماتها الحماسية كأنما استدعت دم أبيها ليضخ في شرايينها تلك الثقة العالية بالنفس.. أجمل ما قالت حقا إنها بكت أباها، لكنها عرفت معنى كلمة شهيد، وأن والدها "بطل وحي يرزق وحاسس بنا"، وهي تعتز به وبوطنيته، ولقد قاطعها هؤلاء الكبار جميعا بالتصفيق عدة مرات، وغالب الرئيس السيسي دموعه، ونهض إليها وقبل رأسها وتحدث مع أمها.

تربية هذه البنت هي ما لفت نظري، فلقد نشأت في بيت عميد شرطة، ومن المؤكد أنه زرع فيها، مع والدتها بالطبع، هذه القدرة اللافتة على مواجهة الجمهور مهما علا شأنه أو زادت أعداده ثم جاءت صدمة رحيل الأب وما أدراك ما الأب بالذات بالنسبة لفتاة صغيرة، فتحولت البراءة إلى خبرة حياة مبكرة جدا، وتحولت المحنة من شخص إلى محنة وطن ممزوجة بالألم والحسرة واليتم حقًا لكنها كانت الزاد والوطنية.

تلك تربية تنقص بيوتا كثيرة للأسف، فيها شباب أكبر وأنضج من هذه الطفلة، علاقته بالوطن بعض معلومات متناثرة من حكي كافيهات أو ثرثرات ليلية على مواقع فيس بوك وتويتر.. هذا جيل يتبدد فيه الانتماء بتأثير من ازدواجية التعليم وربما ثلاثيته، فهناك الآن مدارس وحضانات تحت سيطرة الإخوان، مباشرة أو غير مباشرة، ولا تزال لهم سطوة في إدارات تعليمية، ولم تتعلم الدولة بعد الدرس الدامي الذي دفعته مصر حين ترك التعليم من الحضانة حتى الثانوية لسيطرة وفلوس ومناهج وطقوس جماعة الإخوان لأكثر من ثلاثين عاما.

وهناك الآن التعليم الدولي الدولاري أو باليورو، وفيه طلاب لا حصلوا الإنجليزية ولا هم يعرفون اللغة العربية، نطقا وصرفا وإملاء، وهؤلاء عيونهم على الغرب، وهناك بعد ذلك تعليم حكومي مجاني كسيح، لا يذهب إليه الطلبة، بل يذهبون إلى السناتر، مراكز جماعية للدروس الخصوصية، وفيها ينفق الآباء قوت يومهم.. تعليم مجاني متاح، وأهالي يرفضونه، ويدفعون، لنفس المدرسين في المدارس الحكومية.

التجانس في العقل الجمعي المصري غائب بفعل ثلاثية المناهج والعقائد هذه، من أجل هذا كان نموذج الطفلة التي تنتفض بكل هذه الدماء الوطنية مدعاة للفخر والاعتزاز، والاطمئنان إلى أن ملح الأرض أصيل، ومهما طرأ علينا من شباب التوكة والفيونكة والفخذ المكشوفة من تحت جينز ممزق، فإن هؤلاء هم طفح وأعراض إهمال دولة، باتت تعرف مكمن الخطر، ولا تعالجه.. مفارخ الإخوان شغالة ليلا ونهارا، والدروس الخصوصية للتلقين والتحفيظ والتعهيد (خلق الولاء وأخذ العهد) تتواصل ومع الوقت سنرى هؤلاء هم من يكفرون المجتمع، ويقتلون أبناءنا الجنود والضباط في الشرطة وفي الجيش.

بيض الأفعى يتكاثر، ولابد من سحقه، ولقد كان أبناء الشهداء في حفل الأمس بأكديمية الشرطة، وكان الضابط الشجاع القعيد، وغيره وغيره برهانًا على أنهم دفعوا ثمن السكوت على مفارخ ناشطة في إنتاج أجيال من الإخوان الإرهابيين.

على الدولة التي تأخذ بهمة عملية إزالة التعديات على أراضيها، أن تزيل أولا التعديات على عقول أجيال من أبنائها، يتم تجنيدهم لحساب الإرهاب وهم بعد في سن مبكرة فيشبون على عقيدة الإخوان، التي جعلوها فوق عقيدة الدين نفسه.

تحية لكل شهيد، ولكل بيت فيه شهيد، وحقًا أن المجتمع لمنصرف إلى شأنه الخاص وهمه الخاص، لكن هذا أمر ظاهري، فالقلوب تنزف ألما والصدور تضج بالاكتئاب والأسى مع كل خبر عن استشهاد أبطال من الجيش ومن الشرطة.. عاشت البطن الطاهرة التي أنجبت عالية ياسر الحديدي، وكل بطن قدمت شهيدًا وبطلا.
Advertisements
الجريدة الرسمية