رئيس التحرير
عصام كامل

«طلعت حرب» ينهي مأساة الغارمات


الفقرة التالية مقتبسة.. "هالة، وهو ليس اسمها الحقيقي، البالغة من العمر 63 عاما، أرملة ولديها ستة أبناء، وهي متهمة بقضية إيصالات أمانة ومحكوم عليها بالسجن لمدة عامين.


حالها كحال أي أم مصرية بلا عائل وبدون مصدر رزق، سعت لتجهيز إحدى بناتها للزواج، فكانت توقع على إيصالات أمانة وكان الضامن ابنها "أ" البالغ من العمر 28 سنة، لكن مع ضيق الظروف المعيشية، تعثرت في سداد الأقساط فتراكمت عليها، فتقدم الدائن بشكوى ضدها هي وابنها، وحُكم عليها بالسجن لمدة عامين، وكانت قيمة الدين 5500 جنيه.

وتقول نادية، وهو ليس اسمها الحقيقي كذلك: "إن حكما صدر ضدي بالسجن لمدة 16 عاما، لستدانتي لإجراء عملية جراحية في عين ابني، لكن بفضل تدخل جمعية رعاية أطفال السجينات خرجت بعد ستة أشهر فقط في السجن."

وهناك حالات كثيرة مشابهة، إذ تحول الأمر في مصر إلى ظاهرة خطيرة يصعب حصرها في أرقام، نظرا لحدوثها باستمرار".

انتهى الاقتباس.. وأقول: مؤسسات كثيرة، وجهات شعبية ورسمية، سعت مؤخرا لمحاولة حل مأساة الغارمات، وكلها كانت حلولا جزئية، ولم تقض على الظاهرة.

المبادرات مقدرة ومشكورة، وفي موازين حسنات المفتي السابق الدكتور علي جمعة، والقائمين على صندوق "تحيا مصر"، وجمعيات المجتمع المدني، والنقابات وضباط الشرطة، وغيرهم، ممن حاولوا تفريج الكرب عن الكثيرين.

الأزمة ليست قانونية.. لكنها أزمة ضمير، فغالبا ما يلجأ صاحب الدين "الضئيل" إلى ضمانات زائدة، لا تتناسب مع حجم الدين، وهذا يتنافى مع الشرع والدين.

البنوك صدعت رؤوسنا وملأت الشوارع والميادين ومحطات مترو الأنفاق بإعلانات أنفقت فيها الكثير، عن "طلعت حرب راجع"، وهو الذي لم يعد، وأتوقع أن الإقبال على القروض التي طرحتها تلك البنوك كان ضعيفا للغاية.

تلك البنوك لم تفكر في إنهاء الظاهرة المأساوية، والتي تعد وصمة على جبين مصر والمصريين.. وعيب وفضيحة، لا يجوز لها أن تستمر في بلد يعتز بتقاليده وشرقيته، وتتردد في جنباته عبارة "أخلاق القرية"، التي تمنع تماما الإساءة للمرأة، ناهيك عن سجنها سدادًا لدين تافه، قد لا يتجاوز بضعة آلاف.

لو كان "طلعت حرب" حيا لفكر في حلول تنهي هذه المأساة فورا، ولما انتظر كل هذه السنوات.

الفكرة التي أقترحُها تتمثل في مبادرة يطرحها البنك المركزي بسداد ديون جميع الغارمات والغارمين أيضا، وإخراجهم من غياهب السجون، خاصة إذا كان الدين مرتبطا بأسباب لها علاقة بالفقر وضيق ذات اليد.. على أن يتم منح هؤلاء قروضًا بفوائد لا تزيد على 3% لتعويمهم، أو إخراجهم من الأزمة التي دخلوا السجن بسببها، ومنحهم ماكينات خياطة أو أدوات تمكنهم من توفير دخل يمكنهم من سداد القروض وفوائدها.. مع التجاوز عن حالات العجز والمعاقين، وكبار السن الذين لا يمكنهم العمل أو الحركة.

المحبوسين سدادا لدين قليل، على استعداد للعمل حتى لو في أحقر وأخطر المهن التي ينفر منها ويأباها الطلقاء.. يمكنهم أن يعملوا في كنس الشوارع والحواري، ورفع القمامة.. لو أردتم حلولا تقضي على الأزمة برمتها.

ويمكن للبنك المركزي تشجيع البنوك المصرية على خوض تلك التجربة التي ستحسن كثيرا من سمعة البنوك، وصورتها التي انطبعت في أذهان الناس ككيانات اقتصادية جبائية، ربوية، لا تبحث إلا عن الربح، حتى لو داست في سبيل ذلك على أرواح الناس، وعرضت الشباب للحبس.

ستصبح البنوك في حالة تنفيذ تلك المبادرة، في أعين الناس، مؤسسات لها أهداف مجتمعية تنموية، تضحي لتحقيقها بالكثير من الأموال، والمكاسب.

أيضا مطلوب من القانونيين والمحامين العمل على توعية الأميين بعدم البصم أو التوقيع على "بياض" أو على أية أوراق إلا بعد التأكد من محتواها، وعلى المقرضين والمتعاملين في سلع التقسيط أن يراعوا ضمائرهم قبل حبس المدينين والمدينات، وأن يتقوا الله في تعاملاتهم المادية...

وأخيرا أتذكر كلمات للشيخ عبد القادر الجيلاني، رحمه الله، "ﻟﻘﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺟﺎﺋﻊ.. ﺧﻴﺮ ﻣﻦ بناء ﺃﻟﻒ ﺟﺎﻣﻊ.. ﻭﺧﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﻛﺴﺎ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﻭﺃﻟﺒﺴﻬﺎ ﺍﻟﺒﺮﺍﻗﻊ.. ﻭﺧﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﻗﺎﻡ ﻟﻠﻪ ﺭﺍﻛﻊ.. ﻭﺧﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﺟﺎﻫﺪ اﻠﻜﻔﺮ ﺑﺴﻴﻒ ﻣﻬﻨﺪ ﻗﺎﻃﻊ.. ﻭﺧﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﺻﺎﻡ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﻭ ﺍﻟﺤﺮ ﻭﺍﻗﻊ..ﻭﺇﺫﺍ ﻧﺰﻝ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺟﺎﺋﻊ، ﻟﻪ ﻧﻮﺭ ﻛﻨﻮﺭ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺳﺎﻃﻊ.. ﻓﻴـﺎ ﺑﺸﺮﻯ ﻟﻤﻦ ﺃﻃﻌﻢ ﺟﺎﺋﻊا".


الجريدة الرسمية