رئيس التحرير
عصام كامل

كيف نصنع الإرهاب؟!


اختلف الناس في وضع تعريف للإرهاب يتفق عليه القاصى والدانى، لكن ذلك لم ينتج عن صعوبة تحديد من هو الإرهابى، ولكن نتيجة محاولة البعض لاستغلال ظاهرة الإرهاب لتحقيق المصالح. فالإرهاب من وجهة نظرى الشخصية هو استخدام العنف للتعبير عن الرأى أو فرض الرأى أو تحقيق المصالح وقد يكون هذا العنف ماديا أو معنويا. وإذا نظرنا إلى التاريخ لوجدنا أن الإرهاب ليس ظاهرة جديدة كما يحاول البعض أن يصور، بل ‘نه ظهر مع ظهور الإنسان وما كان قتل قابيل بن آدم لأخيه إلا إرهابا.


وتفشى بعدها استخدام الإرهاب في تاريخ البشرية متنوعا بين إرهاب الدول التي استخدمت القوة لفرض النفوذ والتوسع وإخضاع البشر وإرهاب الجماعات والأفراد. ويشهد التاريخ على الآلاف من الاغتيلات السياسية ومئات الآلاف وربما الملايين من ضحايا الاضطهاد الدينى. وفى تاريخ مصر الحديث نرى أمامنا المذابح التي نفذت لتحقيق مصالح سياسية، وأشهرها مذبحة القلعة التي ارتكبها محمد على باشا عام 1811، والتي ذهب ضحيتها داخل القلعة ما يقارب خمسمائة مملوك، ثم امتدت إلى خارج القلعة ولمدة ثلاثة أيام وصل بعدها عدد من قتلوا بالرصاص أو نحروا أكثر من ألف مملوك مع نهب بيوتهم وسبى نسائهم وغلمانهم، وكان الغرض الواضح منها الإنفراد بالحكم، وهو ما تحقق لمحمد على، ولأن التاريخ عادة ما يكتب بأيدى المنتصرين فلم يتوقف المؤرخون كثيرا أمام تصنيف ما حدث أو مقدار الجرم فيه.

استمرت بعدها حوادث القتل لإخضاع الرعية سواء لدفع الضرائب أو العمل في السخرة دون أجر وكانت الاغتيالات السياسية هي السلاح الأسهل والأرخص للتخلص من الخصوم. ثم بدأت حقبة الاحتلال البريطاني الذي بدأ بقتل ونفى المشاركين في الثورة العرابية لإرهاب الشعب والتمكين للإنجليز وأعوانهم في مصر، فسرعان ما نشأت طبقة من أصحاب المصالح والمنافقين تدعم وتبرر لجرائم الإنجليز، وقد يستغرب البعض إذا علم أن قضاة مصريين شاركوا في المحاكمة الصورية التي أجريت لأهالي دنشواى (1906) وشاركوا في إصدار أحكام الإعدام والجلد على الأهالي انتقاما من وفاة أحد المعتدين عليهم من الجنود الإنجليز، وكان من بين هؤلاء القضاة بطرس باشا غالى وزير الحقانية وقتها وفتحى زغلول الشقيق الأصغر للزعيم الراحل سعد زغلول!

وقد تم اغتيال بطرس غالى باشا بعد توليه رئاسة الوزراء في 1910. وظلت الاغتيالات منتشرة في تلك الحقبة كوسيلة من وسائل الكفاح ضد الإنجليز الذين اعتبروها إرهابا ضدهم! وكان أشهر هذه الاغتيالات هو اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى (قائده) والحاكم العام للسودان عام 1924، وإدانة الحكومة المصرية برئاسة سعد زغلول العملية وأعلنت مكافأة عشرة آلاف جنيه وهي مكافأة ضخمة جدا بمقياس ذلك الوقت لمن يدلى بمعلومات عمن اغتالوه.

وسرعان ما بدأ المصريون يغتالون بعضهم بعضا على خلفية سياسية فكان اغتيال القضاة ورؤساء الوزارات كأحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى، والسياسيين كحسن البنا. تغير نظام الحكم في مصر عام 1952 لكن التغيير الحقيقى كان في 1954 بانفراد الرئيس الرحل جمال عبد الناصر بالسلطة بعد القبض على الرئيس محمد نجيب ووضعه رهن الإقامة الجبرية، وبدأ تخلص عبد الناصر مع كل من يختلف معه في الرأى من الضباط الأحرار وبدأ نظام شمولى يقوم على أساسا تنظيم سياسي واحد وينكل بأى معارضة باستخدام السجن والتعذيب والحكم بالحديد والنار هذا النظام الذي انتهى إكلينيكيا بعد هزيمة 1967 والتخلص من عبد الحكيم عامر.

كان للسجن والتعذيب أثر كبير في تغير توجهات المعارضين وجنوح بعضهم إلى مزيد من التطرف فبدأت حلقة جديدة من الإرهاب بخطف وقتل وزير الأوقاف الشيخ الذهبى 1977 واعتقال السادات لكل الرموز الدينية الإسلامية والمسيحية بعد حادثة الزاوية الحمراء وانتهاء ذلك باغتياله في 1980. واستمرت الحركات الإرهابية في استخدام العنف والاغتيال ضد سياسيين كرفعت المحجوب ومفكرين كفرج فودة، عدى المحاولات الفاشلة كمحاولة اغتيال حسن أبو باشا ونجيب محفوظ وحسنى مبارك نفسه في أديس أبابا.

وقابلت الحكومات المتعاقبة العنف بالعنف واستغلت ظاهرة الإرهاب لمنع أي معارضة سياسية ومنع التعبير عن الرأى. ونرى بوضوح تناسب وتيرة النمو في الفكر الإرهابى مع زيادة الاعتقالات واستخدام التعذيب كما حدث في فترة الستينات، وهو ما أفرز تنظيمات تكفيرية شديدة التطرف مثل التكفير والهجرة أو في الثمانينات بعد إعلان الطوارئ، والتوسع في الاعتقال والتعذيب مما أفرز تنظيمات إرهابية شديدة التطرف والعنف انتقاما من فترة الاعتقال كتنظيم الناجون من النار.

لكن الظاهرة التي تسترعى الانتباه هو انخراط بعض من تم اعتقالهم أو القبض عليهم دون أي جريمة أو سابقة انتماء لأى تنظيم سياسي أو عقائدى من قبل بل إن بعض من تم استقطابهم داخل السجون صاروا من أشرس الإرهابيين بعد ذلك انتقاما لما وقع عليهم من ظلم. وبدأ فصل جديد في قضية الإرهاب على مستوى العالم بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001.. ولهذا الحديث بقية في الأسبوع القادم إن شاء الله.
الجريدة الرسمية