رئيس التحرير
عصام كامل

وكلهم صلاتهم صحيحة!


في ألمانيا انقلبت الدنيا الأسبوع الماضى لأجل "مسجد ليبرالى". لا شىء اسمه مسجد ليبرالى.. كلها بيوت الله. كل ما هنالك أن المسجد الذي أثار الجدل، تؤم الناس فيه امرأة.. وبلا حجاب.


المرأة اسمها ديمرز.. وهى ليست وحدها، معها نساء ورجال آخرون صلوا خلفها، وسموه مسجدا ليبراليا لأنه يبين ما في الإسلام من حرية، وتسامح، وتقبل للآخرين.

من هم الآخرون؟ هم الذين يرون أن الصلاة صلة بين العبد وربه. وأن الصلة بين العبد وربه، ليست قاصرة على إمامة الرجال.. ولا على اللاتى يرتدين الحجاب من النساء.

الجامع الألمانى افتتحوه الأسبوع الماضى، في حجرة ضيقة، داخل كنيسة قديمة، في إحدى مدن هامبورج. هناك وقفت ديمرز تؤم مصلين، ويركع خلفها رجال طوال عراض، بلا ذقون مرسلة واجبة، ولا جلابيب بيضاء ضرورية.

الغرض كان تغيير صورة الإسلام في عيون الأوروبيين. ففى أوروبا يرى كثيرون الإسلام عنصريا، لا يساوى بين الرجال والنساء. يرون أنه لا يصون علاقات طيبة بين المسلمين وغير المسلمين، وأن في هذا الدين غلظة، ونزوح للعنف والقتل.. ويرون فيه احتفالا بالطقس أكثر من المضمون.

أثار المسجد جدلا عنيفا.. ليس في ألمانيا فقط.. إنما بين المسلمين في أوروبا كلها. انتشرت قصة إمامة ديمرز، ومن أحاديثها للصحافة، بدا انها تعلم الكثير عن الدين.. ومما تعرفه أن الإسلام ليس فقط دين رجال. ثم إن الإسلام ليس فقط رجال دين.. ولا هو فقط أقوال مشايخ.

المجلس الإسلامي في بريطانيا أصدر بيانا وصف ديمرز فيه بالملحدة.. ووصف من يصلى خلفها بالكفرة الخارجين عن الإسلام. تساءل المجتمع الأوروبي: ملحدة وتصلى.. إزاى؟

ديمرز حتى كتابة هذه السطور على موقفها.. كلامها للصحافة أشبه بمرافعات المحاكم. قالت: إنه لا نص ثابت يمنع إمامة المرأة. الإمامة في الصلاة ولاية صغرى.. وهى لا تعرف نصا يمنع ولاية النساء الصغرى. ثم كيف للمسلمين أن يجيزوا سفارة المرأة ووزارتها، والوزارة والسفارة ولايات صغرى، ثم لا يجيزون إمامتها التي هي ولاية صغرى أيضا؟

الكلام موزون. حديث من النوعية التي تقبلها وتتفاعل معها المجتمعات المتحضرة. أما الذي لا تقبله تلك المجتمعات، فهي حملات التكفير والتنكيل التي شنها المتشددون الإسلاميون على "السافرة بنت السافرة"، التي مسحت بكرامة الإسلام الأرض، ووقفت وأوقفت الرجال يصلون خلفها.

المعركة دائرة والكفة مائلة ناحية ديمرز.. انشغلت أوروبا بالمسجد الليبرالى، مثلما انشغلت بحوادث الدهس في لندن، والإرهاب في ألمانيا. بدا الشارع الألمانى يراقب صورة مستحدثة عن الإسلام والمسلمين. تعاطفوا مع امرأة مسلمة، لا مسكت سلاح ولا استوقفت طائرة حبا في الله. مسلمة، اتخذت مكانا لدار عبادة في غرفة بكنيسة، بدلا من أن تخطط كيف تفجر الكنيسة، ولا أنفقت ملايين على الأسلحة التي تقتل بها من يصلون في الكنيسة.

الرأى الذي عليه اغلب المشايخ، تحريم المذهب الحنفى إمامة المراة. عندهم الذكورة شرط صحة الإمامة. يأخذ بهذا الرأى أيضا أغلب المالكية والحنابلة والشافعية. يقولون إن امامة المرأة للرجال تبطل صلاتها وصلاة الرجال خلفها.

لكن ديمرز قالت: إن الذي حرم إمامة المرأة هم المسلمون لا الإسلام. ففي الحديث عن أم ورقة أن رسول الله (ص) كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها. الحديث رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي.. وكثيرون.

ديمرز ألمانية فعلا.. لكنها فقيهة قالت إن حديث ام ورقة موجود.. ومعروف فلماذا لا يأخذ به المسلمون؟ حتى لو كان أئمة قدماء منعوا إمامة المرأة رغم الحديث.. أفلا يجوزإعادة النظر في كلامهم الآن.. مادامت القضية خلافية؟

لكن تقول لمين؟ ليس لدى المتشددين عقل ولا جدال في الدين. المعروف معروف. والذي قاله الأولون هو المعلوم من الدين بالضرورة. مثلها مثل مسائل دينية كثيرة، تراث الأوائل أهم من الاجتهاد، وميراث السابقين مقدم من العقل. 

هل صحيح أن صلاة الرجال خلف امرأة باطلة؟ ديمرز قالت إن رجالا صلوا خلفها.. وصحت صلاتهم. لم يخبرها أحد أن صلاتهم خلفها.. بطُلت !!
wtoughan@hotmail.com
Twitter: @wtoughan
الجريدة الرسمية