رئيس التحرير
عصام كامل

في الوقت الغلط


يقال إن ٥٠٪‏ من النصر في أي معركة في التوقيت المناسب، ولو كان الرئيس الأسبق حسني مبارك اتخذ القرارات التي أصدرها بعد يناير قبلها بساعات لتغير وجه مصر، ولربما صنع له المصريون تماثيل بالشوارع، فقد كانت مطالب الناس تغيير الدستور، وحل البرلمان، وإقالة وزير الداخلية ليس إلا، وهو ما أقدم عليه لكن في الوقت الخطأ تماما، مثل حال الفرق المصرية في المباريات الدولية تظل متراخية طوال الـ٨٠ دقيقة وتستفيق في آخر عشر دقائق لتعويض ما فات، وفيما يبدو فإن معظم كوارثنا نتيجة القرار الخطأ في الوقت الخطأ..


وقد عرفنا الآن الجدل الكبير في القيادة المصرية قبل نكسة ٦٧ إذا كنا نلتقى الضربة الأولى أم نبادر نحن بالضربة الأولى، وانتصر قرار تلقي الضربة الأولى، لكي تستطيع المناورة دوليا لإثبات أن إسرائيل دولة معتدية، وتلقينا الضربة الأولى والأخيرة وتم تدمير كل المطارات والطائرات رابضة امتثالا للقرارات الخاطئة، وفيما يبدو فإن نفس العقلية مستمرة وكأننا لا نتعلم من كوارثنا، نتخذ نفس القرارات وننتظر نتائج مختلفة..

ولعل توقيت إثارة تبعية صنافير وتيران وطريقة الإخراج السياسي لهما أفضل نموذج، حتى ولو كانت الجزيرتين ملكية السعودية، فما هو وجه العجلة في هذا التوقيت المشحون والمتوتر، ويزيد الأمر سوءا سرعة لمناقشة وإقرار سعودتهما في الذكرى الرابعة لـ٣٠ يونيو، ويتزامن مع ذلك قرار زيادة أسعار البنزين، وبطريقة الصدمات الاستفزازية، وربما تصوروا أن الوقت مناسب أمنيا حيث ينشغل المصريون بطقوس العيد، بدون أن يضعوا أي اعتبار لمشاعر الناس المرهقة سياسيا ووطنيا لكي يسرقوا فرحة الناس في صدمات متتالية ليس فيها أي حنكة سياسية..

وخذ مثلا قرار تعويم الجنيه وهو قرار صحيح في الوقت الخطأ والصعب، إذ إن ألف باء الاقتصاد يقول لا يمكن التعويم وليس لديك موارد للعملة الصعبة، بعد تراجع التصدير والشلل التام للسياحة وانخفاض دخل قناة السويس إضافة للحاجة إلى تدبير عدة مليارات من الدولارات لتسديد فوائد القروض، لدرجة أن قيمة الدولار في السوق السوداء قبل التعويم كان أرخص منه بعد التعويم، للدرجة التي اعترف فيها "كريس جارفيس" من صندوق النقد الدولي بخطأ خطته أو روشتته للإصلاح في مصر، وانهيار الجنيه بأكثر من المتوقع..

ومثال آخر في القرار المفاجئ الذي اتخذته لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي برفع سعري العائد على الإقراض والإيداع بواقع ٢٠٠ نقطة ليصل إلى ١٦.٧٥٪‏ و١٧.٧٥٪‏ على التوالي، جاء في الوقت غير المناسب، لما ستتكبده الصناعة المصرية من معاناة جديدة.. وقد كانت في طريقها للتعافي من فوضى السنوات الست الماضية، ومواجهتها العديد من الصدمات الناتجة عن الإجراءات التصحيحية للاقتصاد، من زيادات في رسوم الطاقة والضرائب وتعويم الجنيه، الأمر الذي سيزيد من الأعباء الجديدة وتغيير القرارات من رفع ثم خفض أكثر من مرة، وهى تعني سياسات بلا منطق تشكك أي مستثمر جاد..

ومثال آخر في كوارث السيول السنوية التي غالبا ما تفاجئ المسئولين نتيجة عدم الاستعداد لها بوقت كاف.. بمعنى أن تدارك الأزمة هو الإنجاز وليس الحلول بعد الأزمة، ومن الأمور اللافتة للنظر مثلا إقدام المسئولين على إصلاح طريق الساحل الشمالي مثلا في موسم الصيف ليرهقوا المسافرين على الطرق، أو إصلاح مداخل ومخارج المدن الساحلية في الموسم نفسه..

وجاء قرار قطع العلاقات مع قطر في الفجر، وبعد دقائق من قرار السعودية مهينا وينتقص من الكبرياء الوطني، ويحول مصر الكبيرة من البوصلة لشيء آخر، ويحكي الدكتور مصطفى الفقي أنه يوم احتلال العراق جاءه اتصال من سفير الهند بالقاهرة في الصباح الباكر يسأله عن موقف مبارك من هذا العدوان لأن الهند ستتبنى موقف نفسه مصر يوم كانت القاهرة هي البوصلة ومؤثرة في محيطها العربي والدولي..

ومن المعلوم أن الضفدع يضبط درجة حرارته إذا تواجد في الماء الساخن، لكن عندما يقترب الماء من درجة الغليان، يعجز عن التكيف مع الوضع الجديد، وعندما يحاول القفز خارج المياه يعجز لأنه يكون قد فقد قوته خلال عمليات التأقلم مع درجات حرارة المياه وسرعان ما يموت ًببساطة لأنه لم يتخذ قرار القفز في الوقت المناسب.

وَيَا أولى الأمر في هذا البلد، التوقيت الملائم لا ينفصل عن القرار المناسب، وقد يكون القرار صحيحا في الوقت الخطأ فيؤدي لنتائج عكسية، كل ما هنالك نرجوكم قدموا لقراراتكم كما تقدموا لأنفسكم.
الجريدة الرسمية