رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في معية يوسف (١٦)


الكذب خيانة للأمانة وضياع للحقوق وإثارة للفتن وإشعال للصراعات الطائفية والمذهبية، وإذا تفشى في قوم أو في مجتمع أفسده، وأدى إلى تدهوره وتفككه وانهياره.. ويحاول الشخص الكذوب أن يستخدم من الكلمات والعبارات، ومن أساليب التحايل والغش والخداع ما يمكنه من الوصول إلى أهدافه ومراميه.. وعلينا أن نتنبه، أفرادا وجماعات، إلى مثل هذه النوعية من البشر، وأن نتخذ من التدابير والإجراءات ما يقينا ويقى مجتمعاتنا منها..


وقد أثر عن عمر (رضى الله عنه)، قوله: "لست بالخب والخب لا يخدعني"، أي لست غاشا مخادعا، وفى الوقت ذاته لا يستطيع الغاش المخادع أن يغشنى ويخدعنى.. والحقيقة أنه مهما كانت فاعلية وسائل الغش والخداع ودرجة إتقانها وتأثيرها، إلا أنها -في العادة- لا تصمد طويلا، ويأتي اليوم الذي تنكشف فيه أمام الجميع، فقط يحتاج الأمر من صاحب الحق أن يصبر ويحتسب، وعليه ألا يدخر وسعا في سبيل إظهار الحقيقة متى سنحت الفرصة لذلك..

في المحنة الخامسة ليوسف (عليه السلام)، رأينا كيف لعب الكذب والغش والخداع دورا في إيداعه السجن.. وقد استجاب الملك لطلبه، وقام باستحضار امرأة عزيز مصر والنسوة اللاتي كن موجودات معها، ولعبن دورا في مراودته عن نفسه وسجنه.. وبعد أن حضرن، سألهن الملك: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه)، أي ماذا كان حالكن وشأنكن عندما دعوتن يوسف إلى مقارفة الفاحشة؟ فكان الرد بكل وضوح وجلاء: (قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء)، أي معاذ الله أن يكون يوسف أراد السوء؛ وفى هذا الرد تنزيه له وتعجب من عفته..

هنا (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق)، أي لم يعد هناك مفر من الاعتراف بالحقيقة، ولم يبق لدى ما أخفيه (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين)، أي أنا التي أغريته وبذلت جهدي في محاولة الإيقاع به، لكنه أبى لورعه وتقواه، لذا هو بريء مما أسندناه إليه زورا وبهتانا.. وأما قوله تعالى: (ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب)، فهو -والله أعلم - قول يوسف عندما وصلته هذه الشهادة، أنه لم يخن العزيز في زوجته في غيبته، بل تعفف عنها، ذلك لأن الله تعالى لا يوفق الخائنين، ولا يسدد خطاهم (وأن الله لا يهدى كيد الخائنين).. ثم قال: (وما أبرئ نفسي أن النفس لأمارة بالسوء)، أي لا أزكى نفسى ولا أنزهها، فان النفس البشرية تميل -بطبيعتها- إلى الشهوات..

قال الزمخشري: "أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه، لئلا يكون لها مزكيا، وبحالها معجبا ومفتخرا".. واستثنى يوسف من تلك النفوس الأمارة بالسوء، النفس التي يعصمها الله تعالى من الزلل (إلا ما رحم ربى إن ربي غفور رحيم).. (وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي) أي ائتوني بيوسف كى أجعله من خاصتى وخلصائى القريبين منى الذين اعتمد عليهم... (فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين)، أي فلما تحدث معه وجده على قدر كبير من العلم والحكمة، وانتهى إلى أنه هو الشخص المناسب والمؤتمن على أمور الدولة، خاصة في تلك الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.. (وللحديث بقية إن شاء الله، وكل عام وأنتم بخير).
Advertisements
الجريدة الرسمية