رئيس التحرير
عصام كامل

شوفت الحكومة راكبة تاكسي!


على الرغم من الأيام الطين اقتصاديًا التي نعيشها، والتي يزداد طينها سوادًا ولظلظة ساعة بعد أخرى، إلا أن كُل ذلك الغَم يتراجع دائمًا في نظري وأنا أشاهد الفقرة الكوميدية في نشرات الأخبار، تلك الفقرة التي يؤكد خلالها المُذيع بصوت شبه الجَد ـ وهو أكيد بيضحك في سرّه ـ أثناء استضافته لمُراسل يرسم الحماس على جبينه جبالًا وأودية في مشهد تمثيلي بارع، وهو يؤكد أن الرقابة على جميع وسائل المواصلات، رقابة صارمة وحقيقية من جانب الدولة بعد رفع سعر المحروق البنزين!


وقتها تنتابني حالة من الضحك الهيستري الذي يزعج أهل بيتي والجيران، ولو كُنت عند البقال فأكيد البقال بينزعج مني جدًا أكثر من انزعاجه من مفتش التموين، ومفتش الصحة، ومأمور الضرائب، اللي مبقوش أصلًا مزعجين زي زمان، لأنهم ببساطة بقوا من فراخ الدار، فمنهم مَن أصبح زميل مهنة، لا يجوز له أن "يعض" في زميله بعدما افتتح لنفسه مشروعا خاصا جنب الوظيفة اللي كُل علاقته بيها قبض المُرتب والحوافز والبدلات، ومنهم مَن صار حليفًا أو صديقًا أو شريكًا لأصحاب المشاريع، وبالتالي مستحيل يعض فيهم برضو لصالح الحكومة، عملًا بالمبدأ الشائع "إنت أولى من الحكومة" يعني بدل ما تحصَّل الغرامة أو المُخالفة أم ألف جنيه لصالح الحكومة، خُد لك 200 أو 300 لصالحك إنت واخرس!

ونما إلى علمي حديث دار بين زوج وزوجته ساكنين في الشارع اللي ورا شارعنا، قال لها همسًا إنه يعرف عني إني بشرب وبسكر طينة كُل ليلة، علشان كده بقعد أضحك وأسمَّع الناس ضحكي، وحاولت الدفاع عن نفسي بأنني لا أملك مصاريف الشُرب وإلا كُنت أنفقتها على شراء اتنين كيلو لحمة، أو لترين بنزين أولَّع بيهم في نفسي وأخلص من الدُنيا وقرفها، فاقتنعوا بعد تفكير عميق!

نرجع لموضوع الرقابة على المواصلات بعد رفع سعر البنزين للمرَّة المش فاكر كام، وهذا الموضوع حلقة جديدة من مسلسل كوميدي يقتلني ضحكًا تاني، خصوصًا الحتة بتاعة التواجد الأمني المُكثف في الشارع والمواقف دي، ويا سلام على مديري الأمن وهُما بيتابعوا بنفسهم في الشوارع والميادين، نفس اللي حصل يا سيدي لما البنزين غلي المرَّة اللي فاتت، السيد المسئول من دول واقف بيحسبها بالسحتوت للسواق والراكب، وحقاني أوي الحقيقة لمُدة 3 أيام، هُما الأيام الثلاثة المُخصصين للعزاء، ومن بعدها بيتساب المواطن وجهًا لوجه مع السواق، واللي مش عاجبه ينزل ياخُدها مشي!

عزيزتي الحكومة الرشيدة أم برنامج إصلاح اقتصادي ميخُرش الميَّة، والذي كانت خطوته الأخيرة إنه ميخُرش البنزين والسولار، وعلى ما المقال ينكتب جايز تكون الحكومة قررت تلعب كمان في مجالات تانية وترفع سعرها، وتخلي البرنامج ميخُرش الكهربا، أو الغاز، أو الشوربة، واحتمال يركبولنا فلاتر هوا على أنوفنا علشان نتنفس بالمُقنن، أنا موافق على كُل دة يا سيدي طالما كان في مصلحتنا، وهو إحنا هنعرف مصلحتنا أكتر من الحكومة؟ مش هُما الحكومة اللي عارفين كُل المصالح؟!

بس اعتراضي البسيط على موضوع الرقابة ده لو مفيهاش إساءة أدب، هل مُمكن الأيام الثلاثة بتوع عزاء ضرب الأسعار يزيدوا حبة؟ هل مُمكن الحكومة تتواجد بيننا وبين سائقي الميكروباص؟ طيب مُمكن تتجرَّأ شوية وتوصل لسائقي التاكسي؟ يا حكومة أنا مستعد أحلف بالطلاق لو الرقابة توافق إن أكثر من 90% من سائقي التاكسي لصوص برخصة، والحكومة موافقة وبتبارك لهم السرقة، وأتحدى حضرتك أن تعود بالذاكرة للخلف عشرات السنين وتقول لي آخر مرَّة ركبت تاكسي العداد بتاعه شغال كان سنة كام؟!

لن أحدثك عن عدم الالتزام بالبنديرة، لأن أصلًا مفيش بنديرة، يعني التاكسي ماشي من غير عداد، جريمة كاملة تقول لجرائم (ريا) و(سكينة) قوموا وأنا أقعد مطرحكم على رأي الراحل (إبراهيم سعفان)، ومع ذلك مفيش لا عقوبة، ولا تلويح بالعقوبة، ولا تفكير في العقوبة من جانب الحكومة، ولا من جانب السادة المسئولين اللي بيتصوروا في النشرة فاشخين ضبُّهم قد كده وهُما بيتابعوا وبيحكموا الرقابة على وسائل المواصلات، تعاطفًا مع المواطن المسكين اللي أصبح شبه ضبُّهم!

بالمُناسبة المواطن المسكين ده بيضطر يركب تاكسي أحيانًا ليس على سبيل الفشخرة، لكن هناك مليون سبب آخر لذلك، وفي النهاية من حق المواطن أن تحميه الحكومة من اللصوص، لا أن تسأله وبراءة الأطفال في عينيها طيب إنت بتركب تاكسي ليه؟ أو إنت بتاكل بفتيك ليه لو كان بياكل يعني!

والسؤال هنا: لماذا لا تهتم الحكومة بالرقابة على التاكسيات؟ ولماذا تركت الضرب على الكيف للسائقين؟ لتر البنزين يزيد جنيه، سعر المشوار يزيد 10 جنيهات في المُقابل كأنك بتشتري بسعر (شيكابالا) وتبيع بسعر (أبو تريكة)، ده طبعًا بعد ما السواق يعمل لك كشف هيئة، ويقعد يفكر ساعتين إذا كان يروح معاك من العباسية لمصر الجديدة أفضل، واللا يقنعك إنك بلاش تروح مصر الجديدة وروح الدقي أحسن لك، بس استحمى الأول علشان متوسخش العربية!

هل الحكومة جاهلة بمثل هذه الأمور؟ هذه مصيبة، طيب الناس اللي بيعملوا نشرة الأخبار مش بييجي في دماغهم يثيروا المواضع دي؟ هذه برضو مصيبة، أم نقول هل المسئولين الكبار أوي في الحكومة الرشيدة مش بيفكروا في الموضوع ده وهُما معديين بعربياتهم اللي بتموِن بدل البنزين برفان من جنب بتوع التاكسيات ويشوفوا المُعاناة اللي فيها المواطنين؟ هذه راخرة مصيبة، طيب السادة المسئولين في انتظار توجيه رئاسي بأنهم يعملوا رقابة على التاكسيات اللي المفروض إنها بعداد لكن مفيهاش عدادات؟

أكيد التوجيه ده مش هيحصل لأن الريِّس مش بيركب تاكسيات لكنه بيركب عَجَل.. والعمل؟ هتقول لي الميكروباصات والتكاتك والقطارات والأوتوبيسات.. هقول لك دي مش محتاجة مقال، لكنها محتاجة مُجلدات، على ما نبدأ في كتابتها هيكون سعر البنزين ارتفع تاني، والنشرات نقلت لنا المسئولين وهُما بيراقبوا تاني، ونموت من الضحك تاني.. ونقتنع للمرَّة المليون إن مفيش فايدة طول ما الحكومة مُصممة تروي الفساد بالفياجرا، وبعدين تواجهه بمضرب الدبان!
الجريدة الرسمية