رئيس التحرير
عصام كامل

مراكز القوى الجديدة


اجتهدت مخلصا لمعرفة اللحظة الفارقة التي ظهرت فيها مراكز القوى والسياق الموضوعي لنشوئها، إذ أن المرء لا يصحو من نومه ليجد نفسه واحدا من هؤلاء الذين يعيثون في مصر القلق والضجر ونسف أي رطانة رسمية عن دولة العدل، ولقد غرقنا حتى شواشينا في حديث الإصلاح حتى بدا الحديث في حد ذاته غاية وهدفا مجردين، وبات الكلام عن الإصلاح بديلا عن التحرك من أجله في مناخ يحفل بالظواهر الصوتية والطنين، مما منعنا من رؤية التفاصيل، وأعرف أن الكتابة في هذا الموضوع يكون بحد السيف، وظني أن هذا زمان الوضوح ولا يحتمل الانتقائية أو النسبية واللف والدوران أو التستر والمواربة والمداورة، وقد أصبحت المعادلة إما أنك مع الوطن والشعب وإما أنك مع السلطة وشططها وجماعات البغاء السياسي.


وفي معركة الإصلاح ضد الجمود نحن أمام قوى تمترست بحكم قربها من صناع القرار، وأعانها طول البقاء حين سها المجتمع السياسي عن إقالتها، فأصبحت مراكز قوى بوضع اليد ولن يتم تحجيم تلك القرى قبل أن تسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وكان غريبا أن يخرج عمرو أديب مذيع الرئيس المفضل ليكشف أن الرئيس نفسه تلقى تهديدات من مراكز القوى في موضوع تقنين أراضي الدولة المنهوبة، بل إن الرئيس نفسه ألمح إليّ ذلك بقوله إنه لا يخشاهم، وهكذا وصلت سطوة هؤلاء إلى التهديد لمن فوق القمة ظنا منهم أنهم ملاك هذا الوطن، وبرغم ما يبدو من تنافس بينهم فإنهم كالمافيا هناك بروتوكولات وثوابت لا يتنازعون بشأنها.

وظنى أن السبب الأساسي في نشآة هؤلاء ما سمي منذ حركة يوليو٥٢ بأهل الثقة وأهل الكفاءة، وانحياز السلطة دوما للفصيل الأول، وقد استغزق هذا الجدل العقيم زمنا دون أن يكون لدينا قيادات تجمع بين الاثنين أهل ثقة وكفاءة، بمعنى رجال دولة يتم إعدادهم علميا وفنيا وليس على طريقة برنامج القيادات الرئاسي، فهو في ظني يدعم بشكل ما لوبي مراكز القوى، ذلك أن بعضهم وبحكم صغر سنهم يتوهمون أنهم محصنون وفي حماية مؤسسة الرئاسة، بل إن بعض مصطلحات بعضهم تشي بالغرور المبكر وتكرار ظهور البعض في لقاءات الرئيس يعطي إشارة للشارع إنهم من المقربين، وكعادتنا في خلق الفراعنة يصبح وضعهم ضمن لوبي مراكز القوى رغما عنه..

ولهذا فإن العالم كله وضع ضوابط لمن يعمل مع الرئيس مباشرة بدءا من مكتبة وسكرتاريته للوزراء، وقد كشفت قضية مراكز القوى التي فجرها السادات في بداية حكمه جبروت الجماعة الضيقة التي كانت حول الرئيس عبد الناصر، ولم تستقر الأحوال إلا بعد القضاء عليهم، بل إن الأمر ذاته حدث مع محمد على في بدايات حكمه لمصر مع المماليك لمدة ست سنوات، وبعدما فشل في ترويضهم لم يكن أمامه إلا ذبحهم في القلعة، غير أن مراكز القوى القديمة كانت في الماضي مجموعة من الوزراء والعسكريين وكبار الموظفين أصبحوا الآن بعضا من رجال الأعمال الذين يمتلكون الثروة، وبالتالي الإعلام من مواقع وفضائيات وصحف وأندية ورجال في البرلمان والأحزاب، بمعنى أن لديهم وسائل قادرة على تحويل الباطل لحق، وأن الباطل هو الأصلح..

ومصدرو الأزمات يقومون بافتعال معارك صغيرة برفع الأسعار لخنق البسطاء، أو بتعطيل الأسواق من بعض السلع الإستراتيجية، وربما لأول مرة في تاريخ مصر تكون أغلبية تنظيم مراكز القوى من خارج النظام السياسي، وخطورتها هو ربط رضاهم أو معارضتهم بما يحقق مصالحهم الخاصة، حتى ولو تعارضت مع الغالبية وهم يعرقلون أي تطوير وتطهير وإصلاح حتى يظلوا في قصورهم بعيدا عن السجون، وخاصة لرجال أعمال القروض وتجار الآثار وغاسلي الأموال الحرام ومافيا تسقيع الأراضي، ثم يأتي الدور الخطير لامتلاكهم وسائل الإعلام، وليست صدفة أن تكون كلها مملوكة لمن ليست لديه أي علاقة بالإعلام، وتكوين شركات عائلية مغلقة..

وبعد هؤلاء يأتي نشطاء السبوبة الذين جعلوا العمل السياسي حرفة يسترزقون بها، وكانوا أيام يناير يمتلكون بعض أدوات الضغط بتكوين ما سمي وقتها ائتلافات، والآن يستخدم بعضهم علاقاته القديمة في تمرير صفقات وبيزنس وتخليص مصالح لمن يدفع، والحل عندي في ثورة تطهير حقيقية، بكشف الفساد وتفعيل قانون من أين لك هذا، وتيسير الإجراءات بتفكيك العلاقة بين تلك المافيا ورجال الدولة العميقة، ولن يكون قادرًا على خوض تلك المعركة إلا رجال ليست على رءوسهم أي جراح..

والحمد لله أن الرئيس السيسي أعلن منذ اليوم الأول له أنه غير مدين لأحد بأي فواتير سياسية، وبالتالي لابد من ترسيخ سيادة القانون وإعلاء قيم العدالة ومحاسبة كل من أخطأ وتجاوز في أي مؤسسة، وفك الاشتباكات بين مؤسسات الدولة وإعادة الاعتبار للمهنية والكفاءة، والقضاء على ما يسمى حصة بعض المؤسسات في التعيينات العليا، وأخيرا ألا تكون الكلمة الحاسمة والأخيرة لتقارير الأمن السياسي فقط.
الجريدة الرسمية