رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

بهجة جيران الموتى في العيد.. «تقرير مصور»

فيتو

عالمٌ موازٍ، وجوهٌ أنهكتها الحياة، وأجسادٌ ترعرعت بجوار الموتى، إنهم ساكنو المقابر، قصص وحكايات موصدٌ عليها بباب الموت، فلطالما حاولت الأفلام والمسلسلات سبر أغوارها، ولكن هيهات فلن تستطيع الكاميرات أن تصف، والممثلون أن يجسدوا حياة هذه الوجوه؟!




هنا الصمت سيد الموقف، وكل في شأنٍ يُلهيه، وتعددت الملاهي والشأن واحدٌ، فالكل يبحث عن قوت يومه، فبين منتظره في "أحواش القرافة"، وبين ساعٍ لطلبه، وبين مُنتظر الزائرين لكي يقدموا لهم العطايا على أرواح جيرانهم الأموات، بين كل أولئك يظل السؤال قائمًا: أهناك من يحيا حياة طبيعية في ظل مجاورة الأموات؟! ومن أين تأتي الحياة الطبيعية وهم مُحاطون ببقايا رفات مدفون في مقابر أثمن من بيوتهم التي يحاولون أن يحيوا فيها برفات أحلامهم؟! 





إن نظرنا عن كثب فسنجد حياة قائمة أو لربما شبه حياة، ولكن هناك من يحيا هنا، في بيوتٍ موروثة وهمومٍ موروثة معها، أشباه بيوت ولكنها مسكنٌ لهم، مأواهم الذي يلوذون به في آخر الليل، ورغم أنه لا يقيهم حر الصيف أو برد الشتاء؛ إلا أنهم لا يملكون سواها، أفرشةٌ بالية وبيوت مهمتها أن تأوي فحسب، يخرجون منها كل يوم إلى أشغالهم، فهم لم ينسوا أنهم أُناس طبيعيون رغم ما يحيونه من فقر ورغم ضيق أياديهم إلا أنهم بعزة نفس يتباهون أن لهم مأوى فكم من أُناسٍ غيرهم بلا مأوى، يفترشون الأرصفة كل ليلة كي تغمض جفونهم سواد الليل ليستيقظوا ويستكملوا أيامهم المتشابهة.





وفي ظل بهجة العيد ولبسه الجديد والبهجة التي تغمر الكل، ثمة بهجة تصلهم هناك بجوار الموتى، فعادة المصريين أن يتراحموا ويزوروا أرحامهم سواء كانوا أحياءً أو أمواتا، بل إنهم يُبكرون في زيارة الأموات متشحين بالسواد، ليقدموا فروض الوفاء لذويهم، الذين تركوهم ورحلوا عن عالمنا ليلحقوا بربهم بأرواحهم، ويلحقوا بجوار ساكني المقابر بأجسادهم الفانية.

ويجتمع الكل في أيام العيد، بين زوارٍ وسكان، وتتحول المقابر من هدوءٍ صامت إلى مزيج من أصواتٍ بين بهجة بالعيد وسخطٍ على فراق الأحبة، وسرعان ما يرحل الكل بعد وقتٍ وجيز؛ تاركين السكان النائمين في سباتهم، وجيرانهم الكادحين التي تأويهم الأحواش بجوار المقابر في يوم عيدهم.










لما قسم الله الأرزاق كان عادلا، فرغم الفقر قد توجد السكينة، وفي المقابر تتنزل السكينة من حيث لا يعلم الموجودون، فاللون الأخضر دائم الخضرة لا يفارق المكان، بين أشجارٍ وصبارات، والماء البارد كصدقة من أهل متوفى تجده موجودًا باستمرار، عطايا العيد والملابس القديمة التي تُغسل كي يُعاد استخدامها مرة أخرى قد تكون يوم العيد هي الأخرى موجودة.


أما عن المهن المرتبطة بالمكان، فأبرزها مهنة "قارئ القرآن" الذي يقرأ القرآن عند المقابر مقابل حسنة تناله من أهل ساكن المقبرة، وكذلك "الحانوتي" و"حارس المقابر" وغيرها الكثير من المهن التي ترتبط بأجواء المكان، وبدورهم أصحاب هذه المهن ليسوا في منأى عن الدنيا ومتاعها، بل يقضون أوقاتهم في بعض من الاستمتاع أحيانًا، فهم مهما كانت أحوالهم ومهنهم مازالوا أحياءً يُرزقون.



والأطفال هم الوارثون لكل الهموم بغير ذنبٍ جنوه، فهم فتحوا عيونهم ليجدوا أنفسهم في هذا المكان، لم يألفوا الحياة كألفتهم للموت، ولن تجدهم كأقرانهم يخافون الموت أو حكاياته؛ فهم ألفوها منذ نعومة أظافرهم، وفي العيد يحاولون البهجة كباقي الأطفال، ويلبسون الجديد منتظرين البهجة أن تأتي في "أحواش القرافة" بجوار الأموات.
Advertisements
الجريدة الرسمية