رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يوسف الشريف.. استخف قومه فأطاعوه


غريب هو يوسف الشريف، ذلك الممثل الذي صعد للقمة بدون هالة إعلامية ضخمة، ليس لديه لوبي صحفي وإعلامي، لا يقوم بعلاج المعاقين بمجرد رؤيته، لا يطارده المحبون في الشوارع ويجرون وراء سيارته، لا يقوم بإطلاق شائعات على منافسيه والتنكيل بهم من خلال أصدقائه الصحفيين، أو بمعنى آخر محسوبين على الصحفيين، لا يجامل أحدا وعلاقاته في الوسط الفني قليلة، لا ينشر صورته مع السيارة الفارهة التي كان يحلم بها طوال حياته، ولكنه أصبح "رقم واحد" منذ سنوات، وبالرغم من ذلك لم يخرج منه تصريح واحد يقول فيه ذلك، ولم يهاجم أحدا، ولم يعمه النجاح أو يغير مبادئه.


لماذا نقول هذا؟ لأن أعمال يوسف الشريف جزء لا يتجزأ من شخصيته ومبادئه، تلك الأعمال التي استطاع من خلالها أن يبني قاعدة جماهيرية لنفسه جعلته الأبرز في موسم رمضان كل عام، فقد احترم عقل الجمهور فنال احترامهم وحبهم، خاصة الشباب، قدم لهم قصصا وأعمالا جديدة على الفن المصري، قصصا كنا نشاهدها في أعمال أجنبية ونقول متى يصبح لدينا مثل هذا، حتى نال ثقة الجمهور، وأصبح هو اللاعب رقم 10 في خطة رمضان، يضعه الجمهور في البداية ثم يبحثون عن باقي المسلسلات التي يشاهدونها، حتى نوعية جمهوره مختلفة، ليسوا هؤلاء الذين يبحثون عن مشاهد أو مناظر أو حتى تضييع الوقت أو التسلية أمام التليفزيون، إنهم صفوة الجمهور الذي يبحث عن المتعة والفلسفة والغموض في شكل عمل فني.

نهاية مسلسل "كفر دلهاب" كانت أبرز ما أثار الجدل على مواقع السوشيال ميديا، كثيرون تساءلوا عما حدث وسر التغيير، وهل هو الشيطان أم لا، وهل هناك إسقاط في القصة؟.. الأمر بسيط جدًا، لقد أبدع المؤلف عمرو سمير عاطف في عمل حبكة درامية متكاملة لا توجد بها ثغرات، ونهاها بحكمة مفتوحة يفسرها كل شخص على حسب هواه، فالمشاهد حتى قبل المشهد الأخير كان يرى النهاية جميلة، تلك النهاية الوردية التي تتميز بها الأعمال المصرية، لكن الحديث الذي دار بين يوسف الشريف وسهر الصايغ في النهاية كان بمثابة لطمة على وجه الجميع.

الأمر ليس كما يراه البعض، لم يتحقق العدل ولم يمت الظالمون، لن يعيش "كفر دلهاب" أياما سعيدة بعد مقتل كل ما شاركوا في قتل "ريحانة" و"كريمة"، بالفعل مات القتلة ولكن الأمر تم بطريقة خاطئة، وهناك ضحايا وقعوا في الطريق ليس لهم أي ذنب، وهنا تكمن الرسالة التي أراد توجيهها لنا، لقد ظل طوال الـ29 حلقة يظهر لنا بملامح بريئة على أنه الطبيب ملاك الرحمة الذي يسعى لتخفيف آلام الناس، الطبيب الذي ساقه القدر رغمًا عنه ليمحي اللعنة عن الكفر، المتبرع الذي وضع حياته على المحك في سبيل إعادة الحياة إلى الناس الأبرياء.

تمر الحلقات وتصل للنهاية لتكتشف أنه لم يكن فقط هو من خطط لكل ذلك، بل إن سعيه للانتقام قد أعمى بصيرته، لقد بحث عن الانتقام لوالدته حتى تحول إلى شيطان، شيطان يدهس أي شيء في طريقه للوصول إلى غايته.

لقد أرسل لنا يوسف الشريف وعمرو سمير عاطف رسالتين، الأولى السهلة المباشرة التي فهمناها من سياق الحديث وهي أن العدل لا يتحقق بالانتقام الذي يأخذ في وجهه الأخضر واليابس، بل بالمحاكمات التي قد تظهر براءة أو إدانة أي شخص، فحتى الطبيب اعترف لأخته "هند" بأن الانتقام كان خاطئا لأنه تم بدون محاكمات، لقد كان الهدف هو موتهم فقط وليس تحقيق العدل، حتى لو كان العدل يقتضى أن يعيشوا ويكملوا حياتهم لم يكن الطبيب ليسمح بذلك، دعك من أن هناك آخرين قتلوا بدون ذنب.

الرسالة الثانية كانت الأهم، لقد قال الله في قوله تعالى عن قوم فرعون: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ"، لقد استجابوا لما دعاهم إليه وكذبوا موسى، لأنهم كانوا قوما عن طاعة الله خارجين بخذلانه إياهم، وطبعه على قلوبهم، وهو ما ينطبق على أهل "كفر دلهاب"، هؤلاء الذين صمتوا عن موت والدة الطبيب "كريمة" وصدقوا أنها عاهرة كما قال لهم عنها رجال الحكم، لقد استخف بهم شيخ الخفر "أبو العز" فأطاعوه، والذين صمتوا على قتل "ريحانة" ولم يطالبوا بالقصاص لها، بل كانوا يتحاشون الكلام عن الحادثة، واستخف بهم شيخ الخفر مرة أخرى وطلب منهم عدم الحديث عن الأمر فأطاعوه، ثم استخفت بهم الساحرة "روايح" فأطاعوها، ثم استخف بهم شيخ الخفر الجديد "بهاء الدين" فأطاعوه، ووافقوا على قتل شيخ الخفر القديم "أبو العز" بدون محاكمة، ثم استخف بهم الطبيب وفعل بهم كل هذا وقتل الجميع كما خطط بدون محاكمات.. فأطاعوه.

لقد اكتشفوا في النهاية أن من قال لهم قفوا بجانبي وسأحميكم، سأزيل عنكم البلاء والغمة، سأحل العدل في أرضكم، هو الشيطان نفسه الذي يسعى لإفساد هذه الأرض، لقد كان أهل الكفر "الشعب" هم السبب في كل ما حدث وليس السلطات التي تتابعت على حكمهم "شيوخ الخفر"، لقد صمتوا عن تحقيق العدل وارتضوا أن ينتقلوا من ظالم إلى آخر بدون أن يكون لهم أي رأي.. إنه مسلسل يضرب لنا مثلًا في حلول غضب الله على الشعوب المستكينة التي لا تتبع نهجه في تحقيق العدل، فيسلط عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم.

والحصاد مسيرة يجي.. مسيرة يجي
إنها نهاية عظيمة.. لمسلسل عظيم..
Advertisements
الجريدة الرسمية