رئيس التحرير
عصام كامل

مجلس موافقة.. «النواب والشعب» سابقا


بمجرد أن تحول اسم البرلمان من مجلس الشعب لمجلس النواب، وكأنها كانت بمثابة الضوء الأخضر للسادة أعضاء المجلس الموقرين في العمل بكل ما أوتوا من قوة لتسخير المجلس لخدمة النواب وليس لصالح ذلك الشعب المسكين الذي خرج لأداء الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق لثورة 30 يونيو.


وفي السطور القليلة القادمة عرض موجز لأهم خطايا المجلس الموقر، في حق من انتخبوه، فبعد الانتخابات البرلمانية بأقل من عام، انتابت حالة من خيبة الأمل شريحة عريضة من الشعب خاصة من شاركوا في إتمام العملية الانتخابية، حتى جاءت الصخور التي تحطمت عليها الآمال بأن يكون البرلمان أشد حرصًا على مصلحة المواطن وأن يقف أمام الحكومة كمراقب للأداء، وليس مواليا لها، وأن يقف ضدها إذا تعارضت قراراتها مع مصلحة المواطن، وهو ما لم يشعر به المواطن طوال فترة وجود البرلمان الذي قام بانتخابه.

* أزمة تذكرة المترو.. تلك التي تعتبر الأزمة الأكبر التي أثرت فى شريحة كبيرة من المواطنين من المترددين يوميًا على محافظتي القاهرة والجيزة والذين يصل عددهم يوميًا لأكثر من 2 مليون راكب في أوقات التشغيل، جاء قرار رفع سعر تذكرة المترو إلى 2 جنيه، بقرار من الحكومة، دون الرجوع إلى مجلس النواب للمناقشة أو اتخاذ رأيه، مما جعل البرلمان في موقف محرج أمام الشعب.

* أزمة "تيران وصنافير"، الأزمة التالية بعد إقرار اتفاقية "ترسيم الحدود بين مصر والسعودية"، وتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير "دون الرجوع إلى البرلمان، جعل البرلمان في حالة "خروج" عن الواقع، وبعد أن أقرت المحكمة الدستورية ببطلان الاتفاقية، جاء دور المجلس لمناقشتها والموافقة عليها، حيث أعلن الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، في اجتماع لجنة الشئون التشريعية والدستورية، أن المجلس يدافع عن اختصاصاته في نظر اتفاقية تيران وصنافير، ولن يعتد بأى أحكام قضائية صادرة قائلًا "أي اعتداء من أي سلطة على المجلس هو والعدم سواء".

* "قرض صندوق النقد"، حيث تنص المادة 127 من الدستور على أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج بالموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة، إلا بعد موافقة مجلس النواب، وهو ما يحدث في ملف قرض الصندوق الذي أنجزت الحكومة ملفه بعيدًا عن أعين البرلمان، وحتى الآن لم يناقشه البرلمان.

كل ما سبق يؤكد ضعف الأداء البرلماني الذي من المفترض أن يكون أداة الشعب لمحاسبة الحكومة وليس العكس، وهو ما أكده عدد من أعضاء النواب ذاتهم حينما صرحوا نصًا: «البرلمان يخاف من محاسبة الحكومة».

كذلك التصريح الذي أدلى به إمبراطور الأعشاب، البرلماني سعيد حساسين بالأمس القريب، حينما سئل في أحد البرامج الفضائية عن أداء البرلمان، ليرد النائب: أداء الضعيف والمجلس لم يخرج أنيابه للحكومة.

ويبدو أن المجلس قرر أن يتخلى عن كل سابق له من الاسم والأداء، حتى ما كنا ننتقده في المجلس بأنهم نواب خدمات فقط، أصبحنا نبحث عن تلك الخدمات ولا نجدها، حيث تقدم نواب كثيرون بإحاطات ضد بعض الوزراء، لأسباب خاصة بإصدار قوانين أو لتدهور أوضاع في كثير من القطاعات، أو أي شيء يمس المواطن المصري، وفي كل الأحوال يتحول طلب الإحاطة إلى "إدراج" المجلس خاص أن طلب الإحاطة ما هو إلا إجراء روتيني لاعتراض النائب على شىء ما وعلى الوزير التوضيح أو التفصيل ليس أكثر ويعد أضعف أشكال الرقابة لذلك لا تعبأ به الحكومة.

وعلى ما يبدو أن الأداء البرلماني لا يعرف الشراسة إلا إذا تعارض مع أزمة شخصية يتعرض لها النائب أو أحد محبيه ومريديه والأمثلة كثيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حينما خرجت التصريحات النارية بشأن ما حدث بين ضابط شرطة من قوات قسم مدينة نصر والبرلمانية زينب سالم، عضو مجلس النواب عن محافظة الشرقية وأمين سر لجنة السياحة والطيران المدنى أثناء وجودها بالقسم للمطالبة بالإفراج عن نجل شقيقتها، ووقوع مشاجرة بين نجل شقيقة النائبة البالغ من العمر 14 عاما مع أحد زملائه، وهو ما دفعها للانتقال إلى مقر قسم الشرطة للوقوف على أسباب الواقعة وإبرام تصالح بين الطرفين للإفراج عنهما، لافتة إلى أنه أثناء وجودها بالقسم ولقاء نجل شقيقتها قام أحد أفراد الشرطة بالتعدى عليها لفظيا.

ويأتي في قائمة النواب أصحاب الأصوات المجلجلة تحت القبة، ولكنها بعيدة كل البعد عن الصالح العام لمن منحوه شرف الوقوف تحت القبة، إنه نائب الدقهلية الشهير صاحب التصريحات التي وصفتها الشريحة العظمى من الشعب بأنها (+18)، النائب إلهامي عجينة الذي انصبت اهتماماته في النصف السفلي للمواطن فجاء باقتراحاته اللوذعية بتوقيع كشوف العذرية على الفتيات قبل دخول الجامعة، وكذلك التصريح بأن الغالبية العظمى من الرجال عندهم ضعف جنسي، والثالثة الآثمة أن طالب العضو الموقر بمنع التقبيل بين الرجال.

وجاء في نهاية الخطايا بسبب أزمة ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل عام، والتي تعد من أحد أسباب إرجاع الخبراء مسألة فشل البرلمان في التعامل مع الأزمات ومحاولة أن يكون البرلمان قوي لمواجهة الحكومة، فبعد اتخاذ الحكومة قرارات تحرير سعر الصرف، وتعويم الجنيه، لم يحرك البرلمان ساكنًا، خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية من كهرباء ومياه شرب، ووسائل مواصلات، حتى بات المواطن العادي محاط بكم من ارتفاع الأسعار والتي لم يواجهها البرلمان، ولم يتحرك ساكنًا أمام وجع المواطن، برغم تعالي صوت النواب (في أمور شخصية وقضايا هامشية)، ولكن لم يحدث جديد في الأمر، سوى مطالبة الحكومة بتفعيل مراقبتها على السوق لضبط الأسعار وهو ما لم يحدث.

كل ما سبق من أزمات بسبب ما اعتاد عليه النواب في البرلمان على التصويت برفع الأيدي للتعبير عن التصويت، (بالموافقة الدائمة والأبدية على قرارات الحكومة)، حتى أن رئيس المجلس في كثير من القرارات يقر بموافقة أعضاء مجلسه الموقر دون التدقيق في فحص عدد الأصوات أو الايادي الموافقة على القرار، ودون أن يرفع نظره عن الأوراق التي بين يديه وكأنه إجراء روتينى.
الجريدة الرسمية