رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ ياسر عبد الباسط عبد الصمد: لا نعرف أصحاب القناة التي تذيع القرآن بصوت والدي أو مكان بثها

فيتو

- أعيش في جلباب أبى وأفتخر
- والدي كان وسطيًا وكان يطرب لصوت أم كلثوم وسعاد محمد
- حُسن الصوت ومدرسته الخاصة سر نجاح والدى

- والدى كان أنيقًا ويقتني أغلى العطور
- "الشيخ عبد الباسط براندو".. لقب أطلق لمحاربة والدي
- عبد الناصر والسادات كانوا يحبون "عبد الباسط عبد الصمد"
- أصبت بصدمة نفسية بعد وفاة والدي جعلتني ابتعد عن سماع القرآن بصوته
- لم يجبرنا الوالد على حفظ القرآن الكريم
- العيش في جلباب أبى.. أمر يستدعي الفخر
- قراءة القرآن مرة أخرى في "الأقصى".. أمنية والدي الأخيرة التي لم يحققها
- الإذاعة طالبتني بالبعد عن مدرسة والدي ورفضت
- البنا والرزيقي ومصطفى إسماعيل أقرب الأصدقاء لأبي
- ظل يقرأ قرآن الجمعة 40 عامًا بمقابل مادى يكاد لا يذكر في مساجد الأوقاف
- لم يجبرنا يومًا على حفظ القرآن لكنه أجبرنا على القراءة الصحيحة له


  • أدارت الندوة: إيمان مأمون 
  • أعدتها للنشر: منى محمود 
  • عدسة: ريمون وجيه
ورث عذوبة الصوت عن والده القارئ الراحل عبد الباسط عبد الصمد الذي يعد من عمالقة القراء في مصر والعالم العربى، فصوته الملائكى الرنان يملأ كل بيت كما يملأ الأذان ويصل للقلب بحسن أدائه وعذوبة صوته. 
صالون فيتو استضاف "الشيخ ياسر عبد الباسط عبد الصمد" الابن العاشر لوالده وسط أحد عشر كوكبا كما كان يطلق عليهم الشيخ عبد الباسط والذي ورث والده في الصوت والصورة أيضا.. وإلى أهم ما جاء بالندوة:

*متى بدأت شهرة الشيخ عبد الباسط كقارئ للقرآن الكريم؟
كان والدى قارئًا للقرآن في قريته بالصعيد والبلاد المحيطة بها منذ صغره، وفي عمر الـ15 كان الصعيد بأسره على علم باسم "عبد الباسط عبد الصمد"، أما شهرته في القاهرة فقد بدأت حينما حضر إلى مولد السيدة زينب مع والده، حيث يوجد عدد كبير من كبار القراء، فقام باستئذانهم لكى يمنحوا ابنه الصغير 5 دقائق لكي يقرأ القرآن إبان فترة راحتهم، ولكن الدقائق الخمس امتدت إلى ساعة ونصف بناء على طلب الحضور بالمولد، وكان أحد المتواجدين قد طلب من والدى الانضمام إلى الإذاعة فقام بأداء صلاة الاستخارة وتوجه إلى هناك ليجد هذا الشخص موجودًا في الاختبارات فتأكد من نجاحه، وبالفعل بدأت انطلاقته.

*ما السر وراء انطلاق والدك ونجاحه لدرجة أنه أصبح من أشهر القراء على مستوى العالم ؟
لقد اجتبي الله والدى، رحمه الله بمميزات عدة، أبرزها حُسن الصوت وطول النفس والإخلاص والقراءة من القلب، وما يخرج من القلب عادة يصل إلى القلب، فضلًا عن اختلافه عن كل من سبقه من المدارس القرآنية، وصناعته مدرسته الخاصة به، كل هذا جعله مميزًا وأحد أشهر قراء عصره، فذاع صيته في دول عدة على المستوى المحلى والدولى، وقام بتسجيل القرآن الكريم بأكثر من رواية وبالترتيل والتجويد.

*ترددت الأقاويل حول حرص والدك على أناقته حتى أنه تم تشبيهه بـ" مارلون براندو"، هل هذا صحيح؟
لقد كان الشيخ بالفعل أنيقًا في ملبسه، وكان يقتني عددا من العطور غالية الثمن، وكان إطلاق هذه التسمية عليه وتشبيهه بمارلون براندو في البداية وسيلة لمحاربته وكان على سبيل السخرية، ولكن جاءت النتيجة عكسية وفهمه الناس باعتبارها إشارة إلى أناقة واهتمام الشيخ بمظهره.

*وما سر إطلاق ألقاب " صوت مكة" و"معبود النساء"؟
لقب صوت مكة، أطلق عليه لأنه أول شيخ مصري والوحيد أيضًا الذي سُمح له بقراءة القرآن في الحرم المكي، وهو أمر لا يتم إلا بأوامر ملكية، ولقد كان والدى سعيدا للغاية بدعوته لقراءة القرآن في مكة، وكان يعتز دائمًا بهذه القراءة، أما لقب "معبود النساء" فكان يعتبره هو الآخر أحد الألقاب التي أطلقت عليه لمحاربته، وكان والدي لديه معجبين من الرجال والنساء تمامًا كغيره من القراء خاصة أن صوته كان يدخل القلوب بلا استئذان.

*وهل والدك كان يهتم بالمقابل المادى من قراءاته؟
كانت أتعاب والدى "محترمة" ولكن ليس في كل القراءات، فالأمر يتوقف على طبيعة الدعوة والمكان، ولكنه أيضًا ظل يقرأ قرآن الجمعة على مدى 40 عامًا بمقابل مادى يكاد لا يذكر في مساجد وزارة الأوقاف.

*وهل حقق والدك كل ما يتمناه قبل وفاته؟
لقد توفي والدي عن عمر يناهز 62 عاما وبالتحديد عام 1988، بعد مرض، وكانت لديه أمنية أخيرة لم يحققها وهى قراءة القرآن في المسجد الأقصى مرة أخرى.

*وماذا عن كواليس حياة الشيخ عبد الباسط بين أسرته؟
كان والدى في تربيتنا حكيمًا متواضعًا وعلى علم بميول وملكات كل واحد من أبنائه، وكانت الابتسامة لا تفارق وجهه ولم يضرب أحدا منا يومًا كما أنه كان يتعامل معنا بالحنان والحب ويقدم لنا النصح دائمًا، ولكننا كنا نتحاشاه حينما كان يستعد للقراءة في إحدى المناسبات، ولقد كبرنا على أن والدنا محبوب من الجميع وهكذا كان هو أيضًا في عيوننا وكنا نتسابق لإرضائه بحفظ وتعلم القرآن وقراءته، وحينما يطلب منا أي أمر بتردد يشعرنا بالخجل فنفعل ما يريد، وكان دائمًا يصلي بنا صلاة المغرب جماعة بقصار السور مثل سورة الكوثر وقريش، أما والدتنا فتتابع شئون دراستنا وتربيتنا.

*ما المبادئ التي غرسها الوالد في نفوسكم منذ الصغر؟
الصدق، كان من أهم المبادئ التي غرسها فينا الوالد، رحمه الله، فالكذب غير وارد إطلاقًا لديه والاعتراف بالخطأ أفضل من الكذب، وكان وجهه يصب غضبًا إذا ما اكتشف أن أحدنا على وشك الكذب عليه في أي أمر.

*وهل أجبركم على حفظ القرآن؟
لم يجبرنا والدنا يومًا على حفظ القرآن الكريم، ولكنه أجبرنا فقط على القراءة الصحيحة له، أي أنه زرع حب كتاب الله بداخلنا بالإضافة إلى استعانته بأحد المتخصصين في تعليمنا قواعد حفظ وقراءة القرآن الكريم وهو الشيخ عبد العزيز بكرى، من بطانة الشيخ طه الفشني وقد كان قارئا ومبتهلا ومحفظا.

*وهل فرض الوالد عليكم شيئًا في التعليم؟
لا إطلاقًا، بل ترك لنا اختيار ما نريد دراسته، فقد درست أنا اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة القاهرة، ومؤخرًا درست قراءات أزهرية لأحصل على شهادة أزهرية، وأكملت في معهد أزهرى لكي أستفيد بالمواد الأخرى بالإضافة إلى القرآن الكريم.

*هل كان الشيخ الراحل يصحبكم في حفلات أو قراءات ؟
نعم، فمنذ طفولتنا كنا نتبادل الذهاب معه إلى مسجد الإمام الشافعي الذي أصبحت فيما بعد قارئا فيه، وكنا نرى ردود أفعال المستمعين المنبهرة والسعيدة بما يسمعونه من قراءة بصوت الوالد، وكانت تُرسم ابتسامة على وجوههم وكلمة "الله" تخرج من أفواههم بدون مبالغة أو افتعال بل كانت نابعة من إحساسهم بما يسمعونه.

*ما علاقة عبد الباسط عبد الصمد بالموسيقى؟
لم يكن والدي متزمتًا في الدين بل كان وسطيًا، وكان في شبابه يستمع إلى اسطوانات لأم كلثوم وسعاد محمد وفيروز، ولازالت الاسطوانات موجودة حتى الآن.

*وكيف كانت علاقة الشيخ عبد الباسط بأهل الفن؟
كان أهل الفن يحبون مدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل، لأنه كان يعتمد على التلحين والمقامات الموسيقية والانتقال من مقام إلى مقام، لكن والدى كان يعتمد في مدرسته على التنغيم بدون الإفراط في الاعتماد على المقامات الموسيقية، وأعتقد أن أسلوبه هذا كان سببًا في انتشاره عالميًا لأنه لم يعتمد على مقاماتنا الشرقية التي نعرفها نحن ولكنه اعتمد على أسلوب يمكن فهمه في كل دول العالم.

*سمعنا أن الشيخ كانت له علاقات طيبة بالرئيس عبد الناصر والسادات ؟
عاصر أبى كلا من عبد الناصر والسادات ومبارك، وكانت علاقته بهم طيبة ولكنها كانت بروتوكولية وكان هو، رحمه الله، يفضل أن يكون على طبيعته، وعبد الناصر والسادات كانوا يحبون والدى، ويوجهون له الدعوة في الكثير من الحفلات والافتتاحات وكان والدى شاهدا على حادث المنصة.

*وما كواليس حادث المنصة كما رواها لكم؟
كان والدي في هذا اليوم لديه ارتباط بحفلة في الإسكندرية، ولكن الرئاسة كلمته وطالبته بضرورة الحضور، وبعد الانتهاء من قراءة القرآن حاول الاستئذان لكي يصل إلى موعده في الإسكندرية، ولكن الخروج كان ممنوعًا إلا بعد انتهاء الحفل وبالفعل ظل موجودًا حتى حدث ما حدث، وخرج من المكان واتصل بأحد أصدقائه، وطلب منه إحضار قبعة و"شبشب" بدلًا من عمته وحذائه اللذين فقدهما، وعاد إلى المنزل وبدل ملابسه وسافر إلى الإسكندرية لكي يلحق بالحفل الذي كان مرتبطًا به، لأنه كان ملتزمًا بمواعيده في كل حياته.

*وماذا عن الملوك خاصة "محمد الخامس"، ملك المغرب؟
كان ملك المغرب يحب والدى كثيرا ولا يسمع القرآن إلا بصوته حتى أنه طلب منه أن يذهب للمغرب ويقيم معه في قصره إقامة دائمة، ويعطيه مقابل ذلك مبلغا ماليا شهريا كبيرا بخلاف إقامته وعائلته بالقصر وعيشته هناك كأمير ولكنه رفض لأنه كان يحب أن يقرأ القرآن للجميع ولأنه كان لا يستطيع أن يعيش بعيدا عن مصر.

*هل حصل الشيخ عبد الباسط على أوسمة أو نياشين على المستوى المحلى أو العالمى؟
لقد زار الوالد دولًا عدة على المستوى الإقليمي والدولى، فقد زار أمريكا عدة مرات وزار 14 ولاية، كما زار فرنسا، وفي باكستان كان يتم استقباله استقبالًا حافلًا، وحصل على وسام الكفاءة الفكرية من العراق، ووسام الأرز من لبنان وأعلى وسام في ماليزيا، ووسام من الرئيس الأسبق مبارك، وآخر وسام حصل عليه بعد رحيله كان من الرئيس ياسر عرفات.

*هل لكم علاقة بالقناة التي تذيع قراءة القرآن بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد؟
لا على الإطلاق، ولا نعرف المسئولين عنها أو مكان بثها.

*هل ورثت أنت وإخوتك عذوبة الصوت من والدكم؟
لقد ورثت أنا وأشقائي الـ 11 عذوبة الصوت من والدى، ولكن كل من القراءة والحفظ يحتاجان إلى مداومة الممارسة وإخوتى تمنعهم أعمالهم عن استمرار الممارسة أما أن فاتجهت للقراءة وتفرغت لها.

*كيف اتجهت للقراءة وهل كان حلمك أن تصبح قارئًا مشهورا مثل والدك؟
لا، لم أفكر يومًا أن أكون قارئًا، لكن على العكس لقد هجرت القرآن بعد وفاة والدى قراءة أو سماعا، خاصة أنه توفى وأنا أبلغ من العمر 19 عامًا أي كنت صغيرًا آنذاك، وأصبت بصدمة نفسية جعلتني لا أستمع للقرآن على مدى خمس سنوات فكنت أبكي وأتذكر والدي فور سماع صوته أو قراءته وهذه كانت أول صدمة كبيرة تصيبني في حياتى، ولقد تأثر كل المقربين منه برحيله، وبعدها اتجهت للتجارة وابتعدت تمامًا عن مجال القراءة.

*وكيف أصبحت قارئا دون إخوتك وتركت عملك في سبيل ذلك ؟
قمت بأداء عمرة وبعدها بدأت القراءة في كتاب الله، شعرت فجأة أن مجال التجارة ليس مجالي، ووجدت أن الله قد يسر لى حفظ القرآن الكريم عام 2001، وأتممت الحفظ خلال 3 سنوات أولًا بدون معلم ثم بعد ذلك كل من جاء ليدرس لي وكان يُثني علي في الحفظ.

*وكيف انطلقت في مجال قراءة القرآن الكريم؟
حاولت الاقتداء بمدرسة الوالد، وكنت أقرأ في البداية في مساجد وزوايا صغيرة، والقراءة أمام الجمهور كانت تثير بداخلي خوفًا من الخطأ، وظللت لمدة 13 عاما أقرأ في مسجد سيدى حسن أنور، وبعدها ذهبت إلى مسجد الإمام الشافعي مكان والدي الراحل، واشتركت في مسابقة محلية لوزارة الأوقاف تعددت بعدها الدعوات التي تلقيتها للقراءة.

*وهل استفدت من شهرة والدك في مجال القراءة؟
بالطبع، وكونى ابن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أمر فتح لى أبواب عدة ولله الحمد.

*هل تواجه مقارنة بين قراءتك وقراءة الوالد؟
دائمًا ما كنت أواجهها خاصة أننى كنت أقرأ في المسجد الذي كان يقرأ فيه، والجمهور كان يقارن بيني وبينه وكنت أتحمل هذا وأصبر على أمل أن تسير الأمور كما أتمنى بعد فترة.

*هل أنت سعيد كونك تعيش في جلباب أبيك؟
هذا ما وجدته ولكن لم أتعمد هذا، فأنا ابنه وكان من الطبيعي أن أحمل صفاته، والعيش في جلباب أبى أمر يستدعي الفخر، وفى النهاية بعد الانتهاء من قرائتى دائمًا ما تقول لى الناس "الله يرحم أبوك" وهذا أمر يسعدني لأنني أجلب الرحمة لأبي، وهذا يدفعنى أن أجتهد أكثر لأصل لمثل مكانته رغم محاولات من النقاد بأن يكون لى مدرستى الخاصة لكنى أرفض القراءة دون مدرسة والدى.

*هل حاولت الالتحاق بالإذاعة؟
حاولت ولكن لم يكن بيننا انسجام، حيث طالبونى ألا أقرأ بأسلوب والدى وطلبوا منى تغيير طريقتي، والبعد عن مدرسة الوالد ورفضت.

*وهل حاولت تسجيل صوتك على اسطوانات؟
قراءتى من مسجد الإمام الشافعي موجودة ومتوفرة على اليوتيوب وعلى فيس بوك، وكذلك قراءاتى في الدول الأخرى، يسجلها آخرون وينشرونها، لكننى أنا لا أقوم بتسجيل القرآن بنفسي، ولم يأذن الله بعد بتسجيل القرآن كاملًا بصوتى.

*صف لنا طبيعة العلاقة التي كانت تجمع بين والدك وأقرانه من مشايخ عصره الكبار.
كان والدى على علاقة جيدة بجميع الناس، والأقرب إليه كان الشيخ محمود على البنا، رحمه الله، والشيخ الرزيقي، رحمة الله عليه، الذي حارب والدى من أجل إلحاقه بالإذاعة، وبالطبع الشيخ مصطفى إسماعيل، فوالدى كان مصلحا بينه وبين أبنائه في حالة حدوث مشكلات بينهم، والشيخ مصطفى لم يكن يميل لأحد من القراء سوى والدي فقط.

*وهل الأبناء كانوا امتدادا لهذه الصداقات التي جمعت الآباء؟
تجمعني صداقة بأحفاد الشيخ مصطفى إسماعيل، وكذلك أبناء شقيق الشيخ محمد صديق المنشاوي.
الجريدة الرسمية