رئيس التحرير
عصام كامل

رمضان شهر تشويه مصر!!


شهر رمضان الكريم الذي ننتظره كل عام حتى يقربنا أكثر إلى الله، هو فرصة لصفاء النفوس والتعاطف والتراحم والمودة والإحساس بالفقراء والمساكين وصلة الأرحام والابتعاد عن الذنوب والمعاصي، حيث تصفد فيه الشياطين، هكذا يجب أن يكون شهر رمضان، وهكذا كان حتى الفن والدراما والفوازير زمان كان لهم دور في بناء المجتمع وترسيخ القيم الإيجابية ولا تلهي عن العمل والعبادة، لكن في السنوات الأخيرة الشهر الكريم يأتي ومعه شياطين الإنس الذين يفسدون علينا العمل والعبادة ويدمرون المجتمع بأعمال مبتذلة تستمر طوال العام.


رمضان بحق أصبح شهر تشويه مصر وإظهارها بالمتسولة للطعام والشراب والدواء والمسكن والملبس، ويضيع كل جهود التنمية ومئات المليارات التي أنفقتها الدولة على البنية الأساسية.

من يريد أن يعرف حجم المأساة يشاهد ما تعرضه الفضائيات المصرية وهو خارج البلاد، سيشاهد دولة منتهية وتعيش في العصر الحجري باستثناء حملات الحكومة للترويج للاستثمار وللمشروعات الصغيرة والمتوسطة وحق المواطن في المعرفة حتى لا يقع فريسة للشائعات والأخبار الكاذبة، فإن المحتوى خلال شهر رمضان مدمر للوطن والمواطن ويكاد إبليس يقول لصناع الدراما والبرامج والإعلانات" اتقوا الله في مصر".

ولن أجد أفضل مما كتبت في ذلك الناقدة والكاتبة د عزة هيكل حيث قالت "ما يحدث على شاشة الإعلام المصري يسئ للإعلام وللحكومة وللمواطن ولا يساعد في بناء وطن سليم على أسس اجتماعية محددة الملامح، إنما يقدم المجتمع بصورة مشوهة ومتدنية مليئة بالفوضى فيفقد المواطن بوصلة التوجه إلى الخير والمشاركة المجتمعية الجادة والبناءة، ولهذا فإن تلك الإعلانات وهذه المؤسسات صارت منفرة وطاردة حتى ولو كان الغناء جميلًا والموسيقى عظيمة والممثلون نجومًا.

هذه الإعلانات المسيئة للمصريين والتي تصور المجتمع أنه مجتمع فقير عاجز وحكومته غير قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها، وأن هناك انفصالًا تامًا بين المواطنين والحكومة والمجتمع المدني والوحيد القادر على إنقاذ المصريين من السرطان والحروق والأمراض وبناء المنازل وإطعام الفقراء وكسوتهم بالملابس وإمدادهم بالأوراق.

هل يوجد في العالم أجمع من هذا النموذج في الإعلانات التي تدفع الناس دفعًا إلى التبرع باسم الدين وباسم الفريضة وباسم ركن من أركان الإسلام، ألا وهي الزكاة والصدقة حتى يكتمل الإيمان وحتى يؤدي المسلم ما له وما عليه من فرائض حتى زكاة عيد الفطر أصبح لها إعلان..

هذه الأموال التي يجبرون المشاهدين على دفعها تحولت إلى سبوبة إعلانية ومهنة جديدة يدخل في دائرتها المؤسسات الخيرية الخاصة بالصحة وأخرى بالبناء وثالثة بالطعام والملابس والورق، وتقوم شركات الإعلانات بدراسة جدوى للمشروع والإعلان وتضع فريق عمل متكامل من منتجين ومصورين وممثلين ومغنيين وملحنين وتسويق وتهريج وتهليب وكله باسم الدين واللعب على مشاعر البشر ونقاط ضعفهم، وهذه الهوجة الإعلانية منتشرة على القنوات الخاصة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي والموبايل واقتحم عرينها كل المطربين والمطربات الذين يجدون فيها فرصة للظهور، وبصورة أهل الخير والتقوى والرحمة وكله من جيوب الغلابة وباسمهم ومن أجلهم ولكن في النهاية ملايين الجنيهات تذهب للإعلانات والشركات وللمؤسسات، التي أصبحت حكومة موازية لوزارة الصحة والتموين والإسكان".

واستنكرت هيكل دور المجلس الأعلى للإعلام فيما حدث ويجري وهل هناك أي جهة رقابية على تلك الشركات الإعلانية؟ وما مدى المساحة المسموح بها والوقت المفترض لأي منتج على القنوات الخاصة والتي طغت على تليفزيون الدولة مثل الوحش الكاسر المفترس تلتهم الحصيلة الإعلانية وتلتهم الأموال ونسب المشاهدة وتدمر الواقع والسلوك والأخلاق التي لا يعرف لها رقيبًا ولا حسيبًا..

أين وزارة الصحة مما يحدث وكل تلك المؤسسات الصحية تابعة بالإشراف الفعلي للوزارة؟ أم أن هذه المؤسسات هي البديل الجديد لدور الحكومة والتأمين الصحي والمستشفيات الحكومية والجامعية؟ تلك مشكلة كبرى تفتح أبواب الاستغلال والجشع والتربح وتقلل من هيبة ومكانة الدولة وتجعل المواطن يسأل لماذا الضرائب؟ 

ولماذا أصلا هناك وزارة للصحة؟ ولماذا تأمين صحي يستنزف موارد خزينة الدولة من مرتبات للموظفين لا تكفي قوت يومهم ومرتبات أطباء تهين من مكانتهم العلمية وتدفعهم إلى سبل أخرى لكسب العيش، وقد تكون بابًا خلفيًا لتجارة بيع الأعضاء كل هذا لأنه ليست هناك سياسة واضحة للتأمين الصحي تطبق على جميع المصريين المواطنين لا فرق بين مسلم عليه زكاة أو صدقة أو مسيحي ليس عليه تلك الفريضة"

انتهى كلام د عزة هيكل، وخاتمًا أقول العام قبل الماضي كان شعار التسول اكفل يتيما والعام الماضي كان اكفل أسرة، وهذا العام اكفل قرية، واذا استمرت هذه الفوضى ربما يكون شعارهم القادم اكفل محافظة أو اكفل دولة، واللهم احفظ مصر.
egypt1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية