رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

السعودية تختصر الأجيال وتختار المستقبل


سلسلة الأوامر الملكية السعودية التي خرجت على العالم أول أمس، وعلي رأسها مبايعة الأمير الشاب محمد بن سلمان، وليا للعهد بعد أن كان هو وليا للأمير محمد بن نايف ولي العهد، جاءت مفاجئة في توقيت الصدور، رغم أنها كانت متوقعة منذ العام ٢٠١٥، حين أنشئ منصب ولي ولي العهد. تمت المبايعة في سلاسة وهدوء داخل هيئة البيعة، وأعفي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية القوى السابق من كافة مناصبه وصلاحياته، وتلقي من الأمير الشاب قبلتين حميمتين على ظهر الكف الأيمن، سبقتهما ركعة توقير وامتنان للأمير المعفى من منصبه.


التغيير السعودي السلس يجيء في وقت تتلاطم فيه الأجواء من حول السعودية، وداخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، فالتحالفات تنهار والأصدقاء كشفوا عن وجوههم الحقيقية، إذ أرسلت تركيا قوات عسكرية لدعم قطر، واتخذت دور الوسيط المريب، وخطوة إرسال القوات في حد ذاتها استفزت الرياض وأبو ظبي والمنامة، وبالطبع هي خطوة تتوقعها القاهرة من أردوغان النفعي البراجماتي. رغم تصريحات وزير الخارجية التركي المهدئة إلا أن الشك والاستياء وقع بين عواصم الخليج الكبرى وإسطنبول، وبذلك باتت النظرة الخليجية إلى قطر وتركيا مساوية تقريبا للنظرة ذاتها إلى إيران!

الأمير محمد بن سلمان يبلغ من العمر ٣١ سنة، مواليد ١٩٨٥، وهو وزير الدفاع، وحاليا نائب رئيس الوزراء، وهو إصلاحي مستنير، ومطلع ومولع بالتكنولوجيا، وقدوته في ذلك بيل جيتس مطور مايكروسوفت وستيف جوبز مخترع آبل. والحق أن الميديا الغربية، والروسية، لا تزال تمطر تحليلات متصلة عن شخصية الشاب الذي يجدد شباب المملكة العربية السعودية، ويقودها وفق رؤية إصلاحية نحو عصر اقتصادي لا تعتمد فيه على المورد الأوحد وهو النفط.

بتقليد الأمير ومبايعته وليا للعهد، يتم عمليا وواقعيا وبالتراضي داخل الأسرة الملكية الحاكمة إسقاط جيل تقليدي من كبار السن. فخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، الملك السابع للمملكة، يبلغ من العمر ٨١ عاما، وهو حاضر الذهن قوي الحجة قادر بقوة على إدارة السياسة السعودية بذكاء وصبر وفعالية، وكان ولي عهده هو الأمير محمد بن نايف، ويبلغ من العمر ٥٧، عاما، وله تاريخ مشهود في محاربة تنظيم القاعدة.

وهو ابن أخي الملك سلمان، وقد تراضوا على إسقاط هذا الجيل وتمكين الشباب. وكان محمد بن سلمان قد ترك تأثيرات إيجابية عميقة لدى لقائه بالرئيس الأمريكي ترامب، وصفتها السي إن إن بأنه سحر ترامب، الذي بادر بالفعل بالاتصال به وهنأه، كما أثر بعمق في الرئيس الروسي بوتين، والتقي مع الرئيس الفرنسي السابق أولاند، وكلهم لمسوا فيه الذكاء والحماس والرغبة في التحديث والتطوير.

لكن يمكن القول إن محمد بن سلمان هو صاحب الرؤية المتشددة السافرة في مواجهة قطر المتهمة بدعم الإرهاب، وهو صاحب التشدد في مواجهة إيران، وهو قائد المعركة والحرب في اليمن وكاره الحوثيين لموالاتهم إيران. تنظر الأخيرة بقلق إلى التغييرات الهيكلية في سلسلة الحكم، وفي البنية الأمنية، وهي اتهمت السعودية وأمريكا الأسبوع الماضي بالتفجيرات داخل برلمان طهران، وبالقرب من ضريح المجحوم الخوميني، ناشر الدم في المنطقة كلها. في ضوء هذا يمكن تفسير إطلاق إيران لستة صواريخ باليستية من غربي أراضيها، عبرت كل الأراضي العراقية نحو دير الزور في سوريا لتضرب داعش!

تلك بروفة تابعتها بعين القلق كافة عواصم المنطقة، وبخاصة إسرائيل والسعودية والإمارات وبالطبع أمريكا ومصر. كانت ضربات الصواريخ دقيقة ومؤثرة، وقطعت ما يتراوح بين الـ٦٥٠ كيلو مترا والـ٧٠٠ كيلو مترا. تنظر قطر بقلق أشد لمبايعة الأمير محمد بن سلمان. الآن يوجد محمد بن زايد، سن شباب في أبوظبي، ويوجد محمد بن سلمان، سن شباب في الرياض، ويوجد تميم بن حمد سن مراهق سياسة أحمق في الدوحة، المقلوبة الآن مناحة !

مع ولي العهد الجديد يتوقع المراقبون مزيدا من السياسات العقابية ضد تميم، وزيادة عزلته، كما يتوقعون إجراءات أشد ضد السياسات الإيرانية في العراق، ومن هنا نفهم سر الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الرياض، قبل أيام، ثم التحذير الذي أطلقه على خامنئي المرشد الأعلي لإيران الثلاثاء، من أن أي مساس بالحشد الشعبي الذي هو شيعي موال ومسلح ومدرب وممول من إيران، سينال من وحدة واستقرار العراق. الحشد الشعبي عنصري طائفي دموى انتقم من المناطق السنية العراقية، رغم أنهم مواطنون عراقيون مثله، وقام بعمليات تهجير قسري طائفي من المناطق السنية لتخلو للشيعة، وهو أيضا جنين آخر مماثل لحزب الله اللبناني الشيعي الإيراني الهوى والتنفيذ.

جيل الشباب السعودي هو الرابح الأعظم في هذه المبايعة، وهو متحمس للأمير، ومتفائل برؤيته الإصلاحية في النواحي الاجتماعية والاقتصادية، المعروفة بخطة ٢٠٢٠ -٢٠٣٠.. تعرف الأسرة السعودية الحاكمة مواعيد التعامل مع الحتمية التاريخية بذكاء، وبيدها لا بيد الغدر. كل الرياح في المنطقة تدفع سفينة مصر إلى بر الأمان ولصالح شعبها الصبور العاقل الواعي.

Advertisements
الجريدة الرسمية