رئيس التحرير
عصام كامل

أرطغرل وعبدالحميد أسقطا غرابيب سود!


عكفت مجموعة mbc على إنتاج وتصوير مسلسل "غرابيب سود" لمدة عام ونصف العام، وشددت على فريق العمل عدم الإفصاح عنه لأي سبب حتى ينتهي تماما، ثم تتولى القناة مهمة الإعلان والترويج خشية انتقام تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يتناوله المسلسل ويفضح أساليبه في إغواء المنتسبين له تحت ذرائع الدين والغرائز والأحقاد والعصبيات وسواها.


تزامنت حملة الترويج للمسلسل مع إشادة أمريكية نشرت تفاصيلها صحيفة "نيويورك تايمز"، التي ذكرت أن العمل "يُصور داعش كتنظيم من القتلة المتوحشين الذين يتولّى إدارتهم قادة فاسدون ومنافقون، أما أعضاء التنظيم فهم ضحايا، والنساء اللواتي يتحدّين سطوة الميليشيات فهن بطلات".

ونقل التقرير الأمريكي عن منتجي العمل "أن قصص النساء تأخذ الحيّز الأكبر من المسلسل، كونهنّ يوفّرن محتوى درامي ثريا، فضلًا عن أن النسبة العظمى من مشاهدي القناة هن كذلك من النساء"!.

عندما قرأت تقرير "نيويورك تايمز" خالجني شك في تحقيق المسلسل الهدف المنشود، وأنه سيتضمن إساءة للدين أو على الأقل لن ينصف الإسلام، لسبب بسيط جدا أن "داعش" صناعة أمريكية لتشويه ديننا الحنيف، وإثارة الفتنة والحرب المذهبية بين طوائف المسلمين، لأسباب عدة بمساعدة العملاء والمرتزقة وتجار الدين.

مع عرض الحلقات الأولى للمسلسل ثارت ضجة في الشارع العربي تندد بالمحتوى والمعالجة الدرامية، ومبكرا دعا البعض إلى إيقاف عرضه لما يحمله من تشويه للدين وإساءة للمرأة العربية.

 لم تأبه mbc بذلك وكشفت عن تهديد "داعش" بحرق مبناها والانتقام من فريق المسلسل، لكن لم تجد أنباء التهديد الداعشي أذنا صاغية لدى المتلقي العربي، الذي تعمد المقارنة بين "غرابيب سود" من جهة، وعملين تركيين يعرضان بالتزامن هما "قيامة أرطغرل" و"عبدالحميد الثاني"، وكلاهما يتناول الدولة العثمانية بتميز شديد.

الأول منهما حل بين الأعمال الأكثر مشاهدة في العالم، وأحداثه ترصد النزاعات بين الإمبراطوريات في المنطقة، وكما اليوم، عانى الدين الإسلامي الكثير من المشكلات حتى ظهر البطل أرطغرل وجابه كل الظروف وانتصر على أعدائه ليؤسس الإمبراطورية العثمانية ويعزز موقع الإسلام".

أما العمل الثاني فيتناول حياة السلطان عبدالحميد الذي حكم 33 عاما ونصرته الدين وإنجازاته في الصحة والتعليم والعسكرية. وزاد نجاح العمل أن اليهود اعتبروه معاديا للسامية ويثير الخوف والرعب، نظرا لموقف السلطان المناهض للحركة الصهيونية، وحفاظه على أرض فلسطين ورفضه بيعها لليهود.

يسخر الأتراك الفن لتمجيد تاريخهم واستلهام نماذج مشرفة من الماضي، في سبيل خدمة المشروع التوسعي لأردوغان وإعادة الإمبراطورية العثمانية على حساب العرب!.

وبالعودة إلى "غرابيب سود" نجد أنه ضل الطريق وأضاع الهدف، وبدلا من فضح "داعش" اعتمادا على قصص حقيقية، شوه الدين وأساء للمرأة، فمن أعد المعالجة الدرامية وصاغ السيناريو، تعمد تشويه صورة السنة على وجه التحديد، وألصق بها تهم التطرف والإرهاب المتفشي عالميا، فيما أغفل جرائم الحرس الثوري الإيراني والحشد العراقي وحزب الله اللبناني والحوثي اليمني، كما لو كان المسلسل يروج للمليشيات الشيعية، وأنها سبيل القضاء على "داعش"؟!.

قدم "غرابيب سود" النساء بصورة مذلة ومهينة، حين اعتبر "الجنس" وراء انضمام النساء والفتيات المسلمات إلى الجماعات الإرهابية، مثلما حدث في مشهد الاعتراف بأن سبب انضمام بعضهن للتنظيم "جهاد النكاح"، الذي بشرهن به الأمير، وفرحة واحدة منهن بأنها ستعاشر أشخاصًا كثيرين.

عدم تحرى المسلسل الدقة دعا بعض أسر ضحايا وشهداء التنظيم الإرهابي للتنديد بما تضمنه من مشاهد والمطالبة بإيقاف عرضه، وانضم إليهم كذلك جمهور الدول التي اتهمها العمل بدعم الإرهاب، عن طريق إظهار جوازات سفرها في أيدي عناصر تنظيم "داعش" داعين إلى إغلاق مكاتب mbc في بلدانهم، ووسط اختلاط الحابل بالنابل استغل عناصر جماعة "الإخوان" الفرصة للهجوم على المسلسل والمطالبة بإيقافه لما تضمنه من تشويه وإساءة.

أمام الغضب الجماهيري ورفض الرأي العام العربي لما احتواه المسلسل، أوقفت mbc العمل بعد الحلقة 20 معلنة انتهاء جميع الحلقات، متجاهلة بذلك التقارير السابقة التي تؤكد أن العمل 30 حلقة، بما فيها تقرير "نيويورك تايمز" وتصريحات نجوم العمل أيضا!.

حاول العرب مواجهة "داعش" دراميا، فشوهوا الدين وأساءوا للنساء وهدموا تاريخهم وسقطوا أمام الدراما التركية المصنوعة بحنكة وحرفية.

الجريدة الرسمية