رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في معية يوسف (١٣)


يعتبر تدهور وانهيار منظومة القيم الأخلاقية، كالفساد، والكذب، والغش، والتدليس، والمداهنة، والأنانية، وحب الذات، والسلبية، واللامبالاة، واغتصاب الحقوق، والاعتداء على النفس الإنسانية، هو السبب الحقيقى وراء استفحال الأزمات والتحديات التي تواجهها مجتمعاتنا.. لذا، لم يكن غريبا ولا عجيبا أن تكون دعوة جميع الأنبياء والرسل الكرام (عليهم السلام)، مركزة في الأساس حول إقامة منظومة القيم الأخلاقية، مثل الصدق، والوفاء، والرحمة، والرأفة، والتسامح، ولين الجانب، والتعاون على البر والتقوى، وفعل الخيرات، وإقامة العدل، والدفاع عن المظلومين..إلخ.


وكانوا هم أنفسهم نماذج ومثل عليا يهتدى بها السائرون في بيداء الحياة.. ومن ثم، أثر عن النبى (ص) قوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. وكان يوسف (عليه السلام) واحدا من هؤلاء الذين تجلت فيهم مكارم الأخلاق، وهو ما لاحظه الفتيان اللذان دخلا معه السجن.. وقد رأينا أن يوسف قبل أن يستجيب لطلبهما، سارع إلى دعوتهما إلى عبادة الله وحده... وهكذا الأنبياء والرسل الكرام لا ينفكون عن عملهم الأصيل وهو الدعوة إلى الله، مهما كانت المحن والشدائد التي تمر بهم..

وعندما قام يوسف بعرض دعوته، لفت انتباههما إلى أنه لم يأت بجديد، بل هو يدعو إلى دين إبراهيم وإسحاق (واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحق)، وأنه من حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فهو سبحانه مانح الحياة وواهب النعم وخالق الأرض والسماوات، الأمر الذي يستوجب تقديم الشكر له والثناء عليه بما هو أهله.. لكن للأسف، كثير من الناس لا يقرون ولا يعترفون بهذا الفضل العظيم...

يقول يوسف: (ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون).. ولما ذكر ما هو عليه من الدين الحنيف، تلطف في حسن الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفتيين من عبادة الأصنام (يا صاحبى السجن: أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)، أي آلهة متعددة لا تنفع ولا تضر ولا تستجيب لمن دعاها كالأصنام، خير أم عبادة الواحد الأحد، المتفرد بصفات الجلال والكمال؟!

ثم يتابع شرحه لعقائدهم الفاسدة فيقول: (ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم)، أي أنكم أطلقتم على هذه الأصنام الجامدة أسماء فارغة، واعتبرتموها كأنها آلهة، على الرغم من أنها لا تملك قدرة ولا سلطانا (ما أنزل الله بها من سلطان)، بمعنى أن الله تعالى ما أمر بعبادتها وما أنزل لكم حجة أو برهانا، لأن العبادة يجب أن تكون لله وحده (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)، وهذا هو الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه (ذلك الدين القيم)..

وللمرة الثانية يؤكد لهم أن أكثر الناس ليس لديهم العلم بعظمة الله وآلائه وهيمنته على خلقه (ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. وبعد أن قدم يوسف ما يرشدهما إلى اتباع الهدى والرشاد الذي يصلح أحوالهما في الحياة الدنيا وينقذهما من عذابه في الآخرة، بدا يشرح لهما تفسير رؤياهما (يا صاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا).. (وللحديث بقية إن شاء الله)...
Advertisements
الجريدة الرسمية