رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الحكومة دي هتجنني !


جاءني خبر عن اعتماد مجلس الوزراء برئاسة المهندس شريف إسماعيل ما تم من إجراءات بشأن التعاقد بين وزارة التموين والتجارة الداخلية والحكومة الهندية لشراء 20 ألف طن أرز هندي. ووقع على هذا الخبر وقوع الصاعقة، فأما أن الحكومة تريد من المواطن الذي يفكر أن يجن، أو أن الحكومة تعمل بأسلوب السحر والشعوذة، وأنها ترى ما لا نراه، وتفتح المندل وتقرأ الفنجان، فكيف يمكن للحكومة أن توافق على استيراد الأرز الهندي مرة أخرى رغم أن ما استوردته سابقا لم يلق إقبالا مطلقا من المواطنين؛ مما جعل الحكومة تخسر خسارة ضخمة وتضطر لبيعه للتجار بسعر بخس يقل كثيرا عن سعر استيراده؛ مما يعد إهدارا في المال العام وإهدارا للعملة الصعبة لكن الحكومة تعيد الكرة وتقرر مواصلة الاستيراد لسلعة تخسر كثيرا.


ومما يصيبني بالجنون أن مصر تنتج سنويًّا 5 ملايين طن تقريبًا، وتستهلك 3.5 ملايين طن محليًّا، فيكون الفائض ما يقارب الـ1.5 مليون طن سنويًّا نصدِّره للخارج، فإذا كنا نصدر للخارج فلماذا نستورد ؟ وإن قال قائل: نحن نصدر بأسعار مرتفعة ونستورد بأسعار مخفضة فنستفيد بالفارق. أقول له: نحن نتج من الأرز ما يكفي الاحتياجات بالفعل ودون الحاجة للاستيراد، وما يتبقى من إنتاجنا نصدره، فلماذا نستورد إذا؟ كما أننا عندما نستورد نهدر مبالغ طائلة بسبب خسارة بيع الأرز للتجار، ونهدر ملايين الدولارات فلماذا الإصرار على الاستيراد ؟

وحتى لا تصاب -أيه القارئ- مثلي بالجنون أوضح لحضرتك ما فهمته من ذلك الأمر: أن هناك فسادا ضخما في الأمر داخل هيئة السلع التموينية، فهذه الهيئة هي المسئولة في الأساس عن جمع محصول الأرز من الفلاحين وإعطاؤهم الثمن المناسب الذي يعوضهم تكاليف الزراعة، لكن مافيا الهيئة لا تقوم بهذا الدور وإنما تترك الأمر لكبار التجار والذين على علاقة فساد مع بعض المسئولين بالهيئة، وبالتالي يقوم هؤلاء التجار بشراء الأرز من الفلاحين بثمن بخس، ثم يقومون ببيعه للهيئة بثمن مرتفع، فيربحون مبالغ طائلة، كما تربح المافيا بالهيئة مبالغ ضخمة، وكله على حساب الفلاح والمواطن المصري، ومن المفترض أن تقوم الحكومة ممثلة في هيئة السلع التموينية بعمل حصر للمساحات المزروعة بالأرز ومتوسط إنتاجها، وأن يتم التعاقد مع الفلاحين مباشرة لتوريد الأرز إليها مباشرة دون وسطاء وهم التجار، لكن لن يتم هذا طالما المافيا موجودة وتعمل بقوة وترى نفسها في مأمن من الرقابة الإدارية التي لا تتوجه لكشف فسادها، خاصة في موضوع توريد الأرز والاستيراد كذلك.

فهذه المافيا تستفيد من التوريد من التجار وتستفيد من الاستيراد لأنه في حالة الاستيراد تذهب للمصدر الأجنبي وتتفق معه على أسعار غير حقيقية وتتربح من خلفها؛ ولذا تصر على الاستيراد رغم أن الأرز المنتج محليا يكفي السوق المصري ويفيض للتصدير، وهذا ما يدعو للعجب والدهشة ويزيلهما معرفة وجود فساد في ذلك القطاع.

فأزمة الأرز في مصر سببها وزارة التموين منذ شهر أكتوبر 2016 حيث يعد موسم حصاد الأرز مبكر النضج منذ منتصف سبتمبر، ثم الأنواع العريضة والأرز مستدير الحبة والتي تمثل غالبية الإنتاج المصري، وهى من الأنواع الفاخرة المتميزة التي وصلت أسعار تصديرها في بعض الفترات إلى 5 دولارات للكيلو، ومشكلة ارتفاع أسعار الأرز بدأت مع رفض الحكومة شراء المحصول من الفلاح بسعر 3 آلاف جنيه لطن الشعير رغم أننا نتحدث عن أسعار متميزة لن تزيد أسعارها على سعر النوعيات المتدنية كالفلبينى الذي نستورده بنحو 300 إلى 350 دولارًا للطن من الأرز الأبيض، أي أن تكلفة طن الأرز الأبيض الفاخر كان يمكن لهيئة السلع التموينية أن تشترى احتياجاتها من الأرز الأبيض الفاخر بسعر المستورد الأقل جودة أو أقل قليلًا، لكنها رفضت رغم خسائر الفلاح، وقامت بحملات استعراضية لمصادرة كميات من الأرز من مخازن البعض بزعم القضاء على المضاربة. وكان الأَوْلى بالحكومة أن تشترى احتياجاتها بتلك الأسعار التي طالب بها المزارعون لتغطية تكلفتهم، لكنها خفّضت الأسعار وتركت الفرصة لمافيا الاحتكار لشراء الأرز بأبخس الأسعار من الفلاح لتعاود الشراء بعد ذلك بأكثر من ضِعف الثمن.

Advertisements
الجريدة الرسمية