رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء سمير عزيز عن نكسة يونيو: كنا نخاف المشي بالشوارع حتى لا نسمع تعليقات السخرية

فيتو

>> رغم مرارة هزيمة 5 يونيو فإن الجيش لم يستسلم للهزيمة وتصدى للعدو وحقق النصر
>> حرب الاستنزاف مدرسة أعدت الجيش للعبور والنصر

>> فاجأنا العدو في 73 بالطيران المنخفض لتفادي الرادارات المتطورة
>> الثأر للكرامة كان مفتاح النصر الحقيقي
>> عبد الناصر ساعد الجزائريين في ثورتهم وكانوا يتمنون رد الجميل له ولمصر
>> كل رجال الجيش كانوا يشعرون بالتقصير مثل الرئيس عبد الناصر


هزيمة 5 يونيو 67 بالرغم من مرارتها القاتلة فإنها كانت العصي التي ضربت الجيش المصري على رأسه ليفوق من غفلته ويستعيد مكانته في العالم كله، ورغم أن الضربة كانت موجعة فإنها لم تقض عليه، فانتصار إسرائيل لم يستمر إلا أيامًا معدودة بعدها انتفض المارد المصري لينتقم أشرس انتقام، ولعل الانتصارات التي حققها المصريون خلال أيام من النكسة خير دليل على ذلك.
أكد اللواء طيار سمير عزيز، أيقونة القوات الجوية في حربي الاستنزاف وأكتوبر، أن الجيش المصري لم يستسلم للهزيمة التي قطعت أوصاله وسرعان ما استعاد قوته للأخذ بالثأر، وأضاف عزيز في حوار خاص لـ "فيتو" بمناسبة الذكرى الخمسين لنكسة يونيو، أن مصر تلقت ضربة موجعة في هذا اليوم الحزين؛ بسبب تضارب التصريحات والأدوار من القيادات وقتها، فبعضهم كان يعلم أن إسرائيل ستوجه ضربة لمصر بسبب قرار الرئيس عبد الناصر بإغلاق خليج العقبة الذي كان بمثابة الإعلان الصريح من عبد الناصر بدق طبول الحرب.

وفي الوقت نفسه كانت هناك استهانة بحجم وتسليح العدو والمشير عامر، وزير الدفاع وقتها، لا يعرف الكثير عن حجم الخسائر التي ستنتج عن الضربة الأولى، وهو معذور لأنه رقي من رتبة رائد إلى المشير مرة واحدة؛ بسبب دوره في ثورة يوليو دون الحصول على دورات ودراسات، بالإضافة إلى عدم وجود الخبرة المناسبة لديه للمنصب وبرأيي أن أحد أسباب الهزيمة هو عدم استماعه لقادة القوات المسلحة وقتها وعلى رأسهم قائد القوات الجوية الذي هاجم بشدة أن تتلقى مصر الضربة الأولى لأن هذا سيشل القوات الجوية وبالفعل صدق كلامه... وإلى نص الحوار:

*كيف التحقت بالقوات الجوية؟
والدي كان مهندسًا بالقوات الجوية وكنت ابنه الوحيد وكنت ملازمًا له دائمًا وهو يتحدث بفخر عن الطيارين والطائرات وكنت أذهب معه أحيانا إلى المطار فعشقتها وتمنيت أن أكون طيارًا لكن أبي كان يرفض تمامًا أن ألتحق بالكلية الجوية، وأثناء سفره إلى الإسكندرية تقدمت بأوراقي للكلية الجوية وقبلت وعندما علم كان مصدوما وفرحا في نفس الوقت لأنني سوف أصبح ضابطا وفي نفس الوقت خائفا من تهوري وحبي للطيران من أن أصاب بأذى مثل طيارين كثيرين استشهدوا أمامه كان يعرفهم.

وتخرجت في عام 1963 الدفعة 14 علوم طيران برتبة "ملازم طيار" والتحقت بجناح المقاتلات، وحصلت على فرقة مقاتلات في مطار كبريت، ثم انتقلت إلى سرب ميج-17 مقاتلات قاذفة، ثم انتقلت إلى المقاتلات الميج-21 برتبة ملازم، وكانت أول دفعة من الملازمين تنقل إلى الميج-21 التي وصلت مصر حديثًا في ذلك الوقت، وتم اختياري ضمن أفضل 3 طيارين.

وشاركت في حرب اليمن عام 1965 وكنت برتبة ملازم أول، وكانت هناك طائرات ميج-17 فقط، وكنا ننفذ طلعات استعراضية أمام القبائل اليمنية المعارضة بغرض إرهابهم فلم يكن أحد من تلك القبائل سبق له رؤية طائرات من قبل ولم نقاتل أحدًا وقتها.

*نكسة 5 يونيو 67 أين كنت يومها وما أثر الضربة فيك كطيار؟
تم وضع القوات الجوية في حالة تأهب كامل منذ 15 مايو 67 قبل الضربة مباشرة، وكنت أنا في حالة أولى على الممر من 6 إلى 8 صباحًا في مطار فايد برتبة نقيب، بمعنى أنني أجلس في كابينة طائرتي على أول الممر مسلح ومستعد للإقلاع في أي لحظة للاشتباك، وكان معنا بالمطار طائرات سوخوي-7 وسرب يسمى سرب العروبة وبه طائرات ميج-19.

وبعد انتهاء المدة نزلت من الطائرة إلى داخل المطار لأرتاح قليلا حتى يأتي دوري القادم، وفي تمام الساعة التاسعة والربع تحديدا سمعت أصوات انفجار ضخم حولي، وشاهدت الطائرات تحترق على أول الممر والطائرات الإسرائيلية تلقى قنابلها على كل هدف ثابت ومتحرك، وركبت أنا وأحد زملائي الطيارين سيارة جيب وتوجهنا إلى أول الممر نبحث عن أي طائرة سليمة نقلع بها ولكن كان هناك 4 طائرات تم قصفها بالكامل ولا تصلح للإقلاع وحاولت أن أفعل شيئا ولكن للأسف، واستمرت الطائرات الإسرائيلية تقصف الطائرات في أماكنها حتى أصابتها بالشلل التام، وكانت طائرات الميج-21 مرصوصة تفصلها مسافات بسيطة وأمامها السوخوى-7 في صف مقابل، ومن المشاهد التي علّمت في ودفعتني كثيرًا للثأر عندما جاءت طائرة إسرائيلية وقصفت طائرة ميج-21 موجودة بالمطار فانفجرت، وسرعان ما اشتعلت النار في الطائرة المجاورة لها التي خرج منها صاروخ انفجر بطائرة سوخوي 7، وبعدها ذهبنا إلى قاعدة انشاص فوجدنا بنفس المشهد يتكرر.

ثم ذهبنا إلى الجزائر التي دعمتنا بالطائرات بعد ساعات من القصف الإسرائيلي، وهو ما ساعدنا للقيام بهجمات على إسرائيل يومي 14 و15 يونيو.

*وماذا عن دور الجزائر في دعم مصر خلال حرب يونيو 67؟
الرئيس عبد الناصر ساعد الجزائريين في ثورتهم وكانوا يعشقونه ويتمنون رد الجميل له ولمصر أم العرب وقلبها النابض وبعد ضرب المطارات بيوم أو اثنين طلبت قيادة القوات الجوية مني أنا وبعض زملائي الطيارين الذهاب إلى الجزائر لإحضار طائرات نحارب بها وذهبت، وكان معي على زين العابدين وعادل نصر وفريد حرفوش وتيسير حشيش وسمير فريد وعز الدين أبو الدهب وكان معنا أيضا الدكتور محيى حماد وبديع وفائى، وفور وصولنا وجدنا 6 طائرات ميج-21 فقط جاهزة للطيران، وعاد الطيارون الأعلى في الرتبة بتلك الطائرات، ثم دخلنا إلى «هنجر» وجدنا به طائرات ميج-17 عبارة عن جسم الطائرة والجناحين مفككين، وانتظرنا يوما حتى تم تجهيز عدد من الطائرات وعدنا بها من الجزائر.

*كيف تقبلت الهزيمة.. وكيف كانت الاستعدادات لحرب أكتوبر ؟
كل رجال الجيش بلا استثناء كانوا يشعرون بالتقصير مثل الرئيس عبد الناصر تماما، ولكن القوات الجوية لم تحارب في 67، وبالتالي كان لدى الطيارين عزيمة وإصرار على الدخول في الحرب مهما كان الثمن؛ لأن الشعب اتهمنا وقتها بالتقصير فكنا نخاف المشي في الشوارع بالزي الرسمي حتى لا نستمع إلى تعليقات السخرية وكنا نذهب للمطار قبل الشروق ونعود في منتصف الليل للتدريب، وبدأت القوات الجوية في إعادة بناء نفسها.

*كيف استعادت القوات الجوية قوتها في فترة وجيزة قبل حرب أكتوبر؟
أولا بدأنا في دراسة نقاط الضعف التي استغلها العدو وكبدتنا خسائر هائلة في فقد الكثير من قدرات سلاح القوات الجوية، وكانت البداية ببناء «دشم» للطائرات في كل المطارات حتى لا تكون مكشوفة لرادارات العدو والحفاظ عليها، واشترك في بناء الدشم شركات من القطاع المدني، وبالفعل وقد وفرت الدشم حماية كاملة للطائرات ولم تدمر طائرة واحدة على الأرض حتى حرب أكتوبر المجيدة وأثنائها، يضاف إلى ذلك أن القوات الجوية أعادت بناء وإصلاح ممرات الإقلاع والهبوط، وتم إنشاء ممرات سرية لا تظهر من السماء معدة للطوارئ.

ووصلت إلى مصر بعد ذلك طائرة جديدة تسمى Mig-21 FL واختاروا أفضل الطيارين للعمل عليها وكنت منهم، وكانت هذه الطائرة مزودة بصاروخين فقط ولا يوجد بها مدفع وكانت تعتمد على الرادار في الكشف عن الهدف، وأنهينا الفرقة على تلك الطائرة وانتقل السرب إلى المنصورة، وكان الاختلاف قد ظهر من خلال بناء الدشم والممرات التبادلية، والبالونات حول المطار.

*ماذا عن الاستعداد لحرب أكتوبر؟
عقب نكسة يونيو بدأت القوات المسلحة في بناء نفسها، وفي نفس الوقت التدريب العملي على مسرح العمليات للحرب القادمة وهو ما سمي "حرب الاستنزاف" وكان لها هدفان هما الأول: استنزاف العدو ماديا ومعنويا من خلال تنفيذ عمليات مستمرة على جبهة القتال وفي عمق سيناء خلف خطوط العدو.

الهدف الثاني: هو التدريب على مسرح العمليات الحقيقي وهي أرض سيناء بالكامل وتوفيرا للذخيرة بدلا من إطلاقها على أهداف غير حقيقية كما يحدث في التدريبات العادية، وهو ما جعل الحرب أسهل بكثير لأننا نعرف الهدف جيدا وتدربنا عليه عشرات المرات مما أنجح الضربة الجوية الأولى ووفر علينا الضربة الثانية، وقد استفادت القوات المسلحة بكل أسلحتها كثيرا من حرب الاستنزاف.

*ما الخطة التي وضعتها القوات الجوية لنجاح أهدافها في حرب أكتوبر؟
قيادات القوات الجوية بالكامل كانوا على قناعة تامة بضرورة مفاجأة العدو بالطيران المنخفض لتفادي الرادارات المتطورة، وهذا يتطلب مجهودًا كبيرًا من طياري الاستطلاع لتصوير طرق الهجوم وجغرافيا الأرض والهضاب والتلال، وأيضا يتطلب مجهودا كبيرا من طياري القاذفات لتطوير أسلوب الطيران المنخفض والتعود عليه كأسلوب طيران وحيد لحسم المعركة.

وخطة الهجوم الجوى تقوم أساسًا على تنفيذ الضربة الجوية بأكبر عدد متاح من الطائرات ومن مطارات مختلفة وفي نفس التوقيت وعلى أقل ارتفاع ممكن، وهو ما حقق عنصر المفاجأة التي شلت العدو.

مع مراعاة حمولة ومدى وسرعة كل طائرة ومكان انطلاقها والهدف المتجهة له، بحيث تكون كل الطائرات فوق أهدافها في وقت واحد، وكل هذا تم بالورقة والقلم وحسابات فنية وبشرية دون أجهزة كمبيوتر أو أقمار صناعية.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية