رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

لا حياة لمـن تنـادي


جاء قرار البنك المركزي، الأحد الماضي 21 من مايو، برفع سعر الفائدة اﻷساسية 2% دفعة واحدة ليكون صدمة للكثير من خبراء الاقتصاد الذين كانوا يتوقعون عدم اتخاذ هذا القرار، وقد سبق لنا الحديث عن خطورة هذا الأمر وعن توقعنا له في المقال السابق بعنوان دولة بلا كتالوج والمنشور أمس الخميس 25 من مايو، فقد ذكرنا أن البنك المركزي الذي خرج مسئولوه ليؤكدوا لنا -بعد أن طالبت رئيس الصندوق الدولي بزيادة معدلات الفائدة لمواجهة التضخم- بأن السياسة النقدية المصرية مستقلة، ولن تنصاع لشروط صندوق النقد، وذكرنا أن ذلك الكلام عار من الصحة، وأن مصر لن تستطيع أن تغرد خارج سرب الصندوق؛ لأنها أصبحت تحت طائلته، وهذا الأمر ليس عيبا بل هو من حق الصندوق المقرض، فمن حق المقرض أن يفرض ما يشاء على المقترض طالما أن المقترض هو الذي لجأ إليه واحتاجه، وتوقعنا رفع المركزي سعر الفائدة استجابة لشروط الصندوق وهو ما حدث، وقد أفضنا في ذكر سلبيات رفع الفائدة ولا من مجيب، ونتمثل قول الشاعر عمرو بن معد يكرب: "قد أسمعت لو ناديت حيـا***ولكن لا حياة لمـن تنـادي.. ولو نارٌ نفخت بها أضاءت***ولكن أنت تنفخ في الرمـادِ" فنحن ننفخ في رماد.


ويتعجب البعض –وكنا منهم- من أن رفع الفائدة لا يخفض الأسعار في مصر، وذلك لأنه وفق النظرية الاقتصادية فإذا تم رفع سعر الفائدة، فالمعنى أن المواطن سيتوجه للإيداع بسعر فائدة مغر؛ مما يعني انخفاض السيولة في الأسواق وجذب المال إلى البنوك، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع، وبالتالي ينخفض سعرها وفق القاعدة المعروفة، وبالتالي نواجه تضخم الأسعار، لكن في مصر الأمر يختلف، فهناك متغير آخر في الموضوع، وهو أن هذا الأمر يكون صحيحًا لو أن بائع السلعة بعيدًا عن البنك غير متأثر به..

لكن إذا كان بائع السلعة مقترضًا من البنك، بالتالي سيتأثر بقرار رفع سعر الفائدة؛ لأن مديونيته للبنك ستزداد مع رفع سعر الفائدة، فإذا كانت مديونياته، على سبيل المثال، مليون جنيه فبعد رفع سعر الفائدة سيصبح مطالبا بسداد المليون ومعهم مائتي ألف جنيه هي قيمة رفع سعر الفائدة على القرض كما يتم رفع سعر الفائدة على الإيداع؛ مما يجعل ذلك التاجر مضطر عند رفع سعر الفائدة أن يرفع من سعر سلعته رغم أن الطلب عليها قل، لكنه في حالة اضطرار، ولو لم يكن له علاقة بالبنك لخفض سعر السلعة عندما ينخفض الطلب عليها..

وهذا ما يفسر ما كنا في حاجة إلى تفسيره من زيادة الأسعار رغم أن الطلب قل على السلع خاصة بعد القرارين الأسودين للبنك المركزي بتحرير الجنيه ورفع الدعم عن المحروقات بنسب كبيرة، فقد رفع المركزي أسعار الفائدة وقتها وظهرت الشهادات ذات الفائدة 20% وكان من المنتظر سحب السيولة من الأسواق، وهو ما حدث بالفعل، حيث أودع الناس ما يقارب من 350 مليار جنيه وبالتالي كان من المنتظر أن يقل الطلب على السلع وبالتالي تنخفض الأسعار، لكن ما حدث هو ارتفاع الأسعار بصورة عجيبة كان من أسبابها ما ذكرناه من اقتراض المصانع والتجار من البنوك، وعند رفع سعر الفائدة تتضخم مديونياتهم مما يجعلهم يرفعون من أسعارهم، وفي النهاية يأتي التضخم والهم والغم على رأس الزبون! الذي هو حضرتك وحضرتي.

وما يؤكد ما سبق أن ذهبنا إليه وقلناه نصا في المقال السابق "دولة بلا كتالوج"، أن رفع سعر الفائدة "سيؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية لارتفاع تكلفة الاستثمار، وسحب السيولة من الأسواق والبورصة المصرية والاستثمارات الأخرى وتجميعها وركودها في القطاع المصرفي دون استثمارها، والتأثير السلبي في أداء البورصة المصرية"، فهو ما حدث بالفعل بعد قرار البنك المركزي الأحد الماضي 21 من مايو رفع سعر الفائدة اﻷساسية 2% دفعة واحدة، فقد حدثت تغيرات في الأسواق المالية والسلعية، ففي المالية لاحظنا يوم الاثنين تراجع مؤشر البورصة الرئيسى 2.52% في ختام تداولات جلسة اﻻثنين ليهبط إلى مستوى 12648.2 نقطة، وصعد مؤشر EGX20 المحاكي لصناديق الاستثمار بنسبة 3.77% ليُغلق عند 11568.9 نقطة.

وأقدمت البنوك على رفع أسعار الفائدة لديها لكن على اﻷوعية المربوطة بالكوريدور والودائع قصيرة الأجل مع استبعاد رفع أسعار الفائدة على اﻷوعية مرتفعة العائد، واﻷوعية المربوطة بالكوريدور والودائع قصيرة الأجل هي ما يتعامل به التجار والمستثمرين ورجال الأعمال غالبا مع البنوك، سواء في الإيداع أو السحب والاقتراض، وفي حالة السحب ترتفع الفائدة على القرض وتتضاعف المديونية بالتالي، واحتفظت البنوك بسعر العائد على شهادات الادخار الحالية عند 16% للشهادات الثلاثية و20% لأجل 18 شهرًا دون إجراء أي زيادة في تسعيرها.

وعند النظر إلى الأسواق السلعية –وهذا ما يهمنا بالأساس– نجد أن سلعة إستراتيجية مثل سلعة الحديد ارتفع سعرها بعد قرار المركزي مباشرة، وهي سلعة ارتفاعها يؤدي إلى ارتفاع أسعار سلع لا حصر لها، وبالتالي تدخل ضمن السلع الاستراتيجية المؤثرة في باقي أسعار كل السلع تقريبا، نظرا لأن الحديد تتوقف عليه أكثر من 160 مهنة كل مهنة لها أدواتها وسلعها المختلفة، ثم بعد ذلك تزداد السلع غير المرتبطة بالحديد وفقا لنظرية الآنية المستطرقة، فنجد بعد رفع المركزي أسعار الفائدة قررت مصانع «حديد عز» رفع أسعار منتجاتها بقيمة 200 جنيه في الطن ليصل السعر للقطاع التجاري نحو 9855 جنيهًا مقابل 9500 جنيه، ونحو 10 آلاف جنيه للمستهلكين. 

فيما رفعت مصانع المصريين والجارحى والفجر ستيل للحديد والصلب أسعارها للمرة الثانية في اقل من أسبوع، وأكد مسئولو هذه الشركات أنهم مضطرون لرفع الأسعار رغم قلة الطلب بسبب رفع المركزي سعر الفائدة؛ لأن لديهم مديونيات ضخمة تتأثر برفع أسعار الفائدة، نظرًا ﻷن تسعيرها مرتبط بتسعير الكوريدور.
Advertisements
الجريدة الرسمية