رئيس التحرير
عصام كامل

محمد حسن علوان يحذر خريجي أونتاريو من الخلط بين الطموح والتوقعات

الكاتب السعودى محمد
الكاتب السعودى محمد حسن علوان

نشر الكاتب السعودي الشاب محمد حسن علوان، الفائز بجائزة البوكر عن روايته «موت صغير»، نص الكلمة التي ألقها في حفل تخرج الطلاب السعوديين في أونتاريو 2017، وذلك عبر حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».


وجاء فيها:
أخواتي الخريجات إخواني الخريجون
أيها الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحد الأخطاء المكررة التي أقع فيها مرة تلو الأخرى دون أن أتعلم منها هي الموافقة على إلقاء كلمة قبل أن أفكر في محتواها، وعندما جلست لكتابة هذه الكلمة التي تسمعون الآن أدركت عاقبة تعجّلي بعد أن فات وقت التراجع ولات حين مناص، احترت كثيرًا فيما يمكن أن أقول لكم في يومكم الكبير هذا بعيدًا عن الكلمات المعتادة، ماذا يمكن أن أعرف ولا تعرفون؟ لا يوجد، ماذا يمكن أن أقول ولا تشعرون بالملل؟ هذا أصعب، اخترت أخيرًا أن أحدثكم عن واحدٍ من أخطائي الجميلة ذات العلاقة بالتحصيل الأكاديمي، تخرجت ثلاث مرات من مؤسسات التعليم العالي لدرجات البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه من ثلاث دول مختلفة، وفي كل مرة أقع في الخطأ ذاتِه: وهو الخلط الوخيم بين الطموح والتوقعات.

طموحكم أيها الخريجات والخريجون هو الصهوة التي امتطيتموها جميعًا منذ يومكم الأول وحتى وصلتم إلى هذا الحفل، توقعاتكم، في المقابل، هي ظل هذا الطموح. القرين المريب الذي لا ندرك إلا بعد حين مدى نفعه من ضرره، طموحنا هو ذلك الأفق الجميل الذي يأخذ شكلًا جديدًا كل يوم. وهذه المرونة هي التي تجعله متجددًا لائقًا بظروف الحياة المتقلبة والمتغيرة، توقعاتنا في المقابل هي تلك الصورةُ الفوتوغرافية الجامدة للمستقبل التي تحمل ملامح واضحة وتفاصيل محددة نعوّل عليها، ونتخذ على أساسها قراراتٍ حاسمة أحيانًا قبل أن نكتشف أنها مجرد صورةٍ لا تؤثر ولا تتأثر بما يجري فعليًا على أرض الواقع.

لماذا يجب أن نثق في طموحنا ونرتاب من توقعاتنا؟ لأن الطموح هو جزء من كينونتنا، تشكّل عبر سلسلة من التفاعلات الفكرية والنفسية والعاطفية في داخلنا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصلُهُ عمن نكون طموحاتنا لا تتغيّر بل تتشكل وتتطور مع تشكلنا وتطورنا، طموحنا في الحصول على الشهادة الابتدائية ونحن أطفال هو نفسه طموحنا ونحن نتقلد شهادة الدكتوراه، لم يتغير. فقط تطور رغبتنا في الإتقان واللمعان على مستوى الفصل أو الحي أو العائلة هي نفس الرغبة التي تأخذنا إلى منصات التتويج والاحتفاء، نفس الدافع الغريزي مع اختلاف الحجم والكيفية والأفق، لذا يجب أن نثق في طموحنا بأنه باقٍ فينا وإن تغيرت هيئته، مثل ملامح وجوهنا، تكبر وتنمو وتتغير ولكنها تظل الأعضاء نفسها.

لماذا يجب أن نرتاب من توقعاتنا؟ لأنها في الغالب مجرد محاولات نفسية لتثبيت صورة المستقبل على حالة جامدة تناسب مشاعر مؤقتة نمرّ بها. هذه النزعة لتجميد المستقبل السائل هي مجرد استجابة لأحوال نفسية ستتغير حتمًان ولعلنا نتفق جميعًا بناءً على تجاربنا السابقة أن التوقعات نادرًا ما تصحّ، هذا ما يجعل من عملية رسم التوقعات مسبقًا مصيدة جاهزة للإحباط مستقبلًا، وحتى لو تحققت، بدافع الصدفة أو غيرها، فلعلنا ننتبه إلى أن توقعاتنا بطبيعة الحال ليست أفضل ما يمكن أن يحدث لنا، أحيانًا نتوقع أشياء أقل مما نستحق، ولهذا فمن الأفضل ألا تتحقق توقعاتنا في هذه الحالة.

أن تكون طموحًا يعني أن تهيئ لنفسك لما تحب دون تفاصيل أكثر من اللازم، قرر أن تكون ناجحًا دون أن تقيّد هذا النجاح بشكل محدد: وظيفة، منصب، قرر أن تكون سعيدًا دون أن تربط هذه السعادة بحالة أو بشخص، قرر أن تكون منتجًا دون أن تربط إنتاجيتك بكم أو كيف، هذه التفاصيل هي توقعاتك التي تجعل مهمة طموحك أصعب، وتتحول تدريجيًا إلى طبقة من الغبار التي تغطي طموحك، وهي تفسر لنا كيف نصادف أحيانًا أشخاصًا لا ينقصهم الطموح غارقين في التعاسة.

في هذا اليوم، ثمة توقعات وطموحات كثيرة تحوم في سماء هذا المكان، تشكل معًا هالة من السعادة والأمل لا تليق إلا بحفل تخرجٍ بهيج مثل هذا. بعد أيام قليلة ستنخرطون جميعًا في سؤال ال: (وماذا بعد؟) والإجابة على هذا السؤال ستكون سلسة وأكثر وضوحًا لدى الطموحات والطموحين منكم، الذين لم يخلطوا طموحهم النقيّ بتوقعات جامدة حول ما يجب أن يحدث لهم، وبالتأكيد ستكون إجابة هذا السؤال أكثر حرجًا وصعوبة لمن ظنوا أن معادلات الحياة بسيطة جدًا إلى الحد الذي يجعل التطابق بين توقعاتهم وواقعهم أمرًا سهلًا لا يحتاج أكثر من شهادة جامعية.
الجريدة الرسمية