رئيس التحرير
عصام كامل

قال الله أم قال الناس؟


قرآننا الذي سيقرأه معظمنا في شهر رمضان الكريم ما زال وسيظل نديا بين أيدينا، يخبرنا القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للناس، كل الناس، فقال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذا هو الله يقول (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، فلا يخبرني أحدهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتدى، أتريد مني أن أصدق أن الرسول صلى الله عليه وسلم حمل سيفه وجاب الجزيرة من شرقها لغربها يُعمل القتل في أهلها إلا أن يتبعوا الإسلام؟! أتريد من الرحمة أن تقتل الناس لأنهم لم يؤمنوا! أتريد من الرحمة أن تغزو؟! فليقل الناس ما يريدون وليدَّعوا على رسول الله كما يشاءون، ولكن الرسول لم يذهب غازيا لأحد، بل كانت كل حروبه دفاعية، حاربه قومه فأخرجوا سيوفهم، وعذبوا أصحابه، فهاجر ولم يقاتل، فتعقبوه في المدينة، فدافع ولم يعتد، وجمعوا القبائل يريدون استئصال الدين، فحفر خندقا حول المدينة، وكان يستطيع أن يقاتل بالسيف، ألم يكن مؤيدا من الله رب العالمين؟! ولكنه بحث عن وسيلة لا يكون فيها أي عمل للسيف، معه أو ضده.


طلب الله منه أن يدعوهم فقط، وليس عليه هداهم، وليس له أن يشتد على نفسه في سبيل ذلك، فقال له (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) وقال (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقال أيضا (لا إكراه في الدين) فليس لأحد بعد كل هذه الآيات أن يقول لي إن الرسول قال إنه بعث بالسيف، أو إن الله جعل رزقه تحت ظل رمحه، أو إن الله أمره أن يقاتل الناس جميعا حتى يكونوا مؤمنين، من سيقول لي ذلك سأضرب الصفح عن كلامه وسأرميه وراء ظهري، فلا هو إسلام ولا هو دين!

فإن قال لي أحدهم إن القرآن قال (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) وقال أيضا (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقال أيضا (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) وأخذ يقرأ لي آيات القتال الواحدة تلو الأخرى، سأقول له يا أخي إن القرآن ليس كتابا نظريا، ولكن نصوصه كانت تتفاعل مع الواقع الذي واجهه الرسول والمسلمون، ومن هذا الواقع أن الكفار جهزوا الجيوش، وأعدوا الأسلحة، ثم ذهبوا بجيوشهم ليعتدوا على رسول الله والذين معه، لذلك أجاز الله لهم أن يدافعوا عن أنفسهم مصداقا لقوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم)..

فكل آيات القتال جاءت من باب الدفاع لا الاعتداء، وهي تحكي جزءًا من سيرة الرسول وهو يذود عن دينه وأصحابه، ولها أسباب نزولها المرتبطة بواقعها والمتفاعلة معه، فإذا أردتم المقاربة بينها وبين حياتنا فاجعلوها كما نزلت، آيات للدفاع لا للقتال، واعلموا أن الله طالما قال، فقد صدق، وليس لأحد أن يقول ما يخالف قول الله إلا أن يكون كاذبا، قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
الجريدة الرسمية