رئيس التحرير
عصام كامل

23 مايو.. «موعد إعدام الإخوان» برعاية سعودية ومباركة خليجية وعربية وتخطيط أمريكي.. «ترامب» يضغط على «أردوغان» بصفقة «تسليح الأكراد».. والمصالح الاستراتيجية تجبر

دونالد ترامب و رجب
دونالد ترامب و رجب طيب أردوغان

«يسرني اليوم، وبكل فخر، أن أوجه لكم، وأشارككم هذا الإعلان التاريخي، أن أولى رحلاتي الخارجية منذ توليت رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ستكون إلى المملكة العربية السعودية».. كلمات أعلن بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أول زيارة خارجية له، تبدأ بزيارة السعودية كما لم يفعل أي رئيس أمريكي من قبل، والتقطها الخبراء السياسيون ليرسموا عن طريقها ملامح جديدة وتوازنات تلوح في أفق منطقة الشرق الأوسط.


يرى محللون أن الزيارة التي يبدأها ترامب للمملكة العربية السعودية في 23 مايو الجاري، ويعقد فيها قمة ثنائية مع الملك سلمان بن عبد العزيز، وقمة مع قادة دول الخليج، وقمة ثالثة مع قادة دول عربية وإسلامية، ما هي إلا «صفقة» أحكم خيوطها الرجل الذي يدير البيت الأبيض بمنطق رجل الأعمال، وتكهن مراقبون بإمكانية أن يكون تنظيم الإخوان أحد أهم الخاسرين، ويخرجون من «الصفقة» بـ«صفعة».

وكانت أولى الإشارات الرسمية حول زيارة “ترامب” المرتقبة للمملكة وما تحمله لجماعة الإخوان من مفاجآت صادمة، تأكيد مستشار الأمن القومى الأمريكي هربرت ريموند ماكماستر أن “ترامب” سيطالب خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية باتخاذ موقف قوى ضد “الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة”، والتي تتمثل في داعش والقاعدة وجماعة الإخوان.

التكهنات التي ترجح كتابة شهادة وفاة جماعة الإخوان خلال الزيارة المرتقبة للسعودية، بُنيت على أساس الرغبة الملحة لدى واشنطن في حشد جبهة عربية وإسلامية ضد إيران التي يراها ترامب خصمًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، ولن تتحقق هذا الرغبة، دون طى صفحة التنظيم الدولى للإخوان الذي يعقد صفقات سرية مع طهران، ويرى سياسيون أن الرئيس الأمريكى سيعمل على إبعاد التنظيم عن أبويه الروحيين تركيا وقطر.

وبدأت صفقة ترويض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وتجهيزه للموافقة للتخلي عن الجماعة، عندما وجه “ترامب” صفعة قوية للسلطان قبيل زيارته المرتقبة لواشنطن في 16 و17 مايو الجاري، بالإعلان عن قرار الولايات المتحدة بتسليح وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل العمود الفقرى لقوات سوريا الديمقراطية، وتكليفها بمهمة استعادة مدينة الرقة من أيدى الدواعش، ما جعل الرئيس التركي يستشيط غضبا، خاصة أن الأكراد لا يحظون بحماية الولايات المتحدة فقط، وإنما روسيا أيضا، ما يعنى أنه سيقف وحيدا ودون دعم من أي من القوتين العظميين في مواجهة مشروع إقامة دولة كردية، التي يرى أنها ستشكل تهديدا لتركيا، وخطوة محورية لتقسيمها وزعزعة استقرارها.

بعد الصفعة التي تلقاها الرئيس التركي، راهن “أردوغان” على إحداث انقلاب في المشهد، وتحول جذرى محتمل في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، ونقل مقربون منه قوله إنه «متفائل بعقد صفقة ممتازة مع ترامب وإمكان إقناعه بتغيير رأيه في ملف الرقة، وتصحيح خطأ قراره بتسليح وحدات حماية الشعب الكردية، وحتى إقناعه بالتعاون العسكري مع الجيش التركي ضد تنظيم داعش في سوريا».

في مقابل ما سبق يرى المحللون السياسيون أن اللعب الآن أصبح على المكشوف بين ترامب وأردوغان، وأن الصفقة وضحت بنودها، فرجل الأعمال «الرئيس»، اختار الوقت المناسب لإعلان تسليح الأكراد، قبل أسبوع واحد من زيارة أردوغان لواشنطن وقبل أسبوعين من قمة إسلامية يحضرها ترامب وأردوغان في السعودية، وهدف ترامب من ذلك أن يذهب أردوغان لواشنطن في موقف الشخص «الضعيف» ويتوسل أن يرجع الرئيس الأمريكى عن قراره بتسليح الأكراد، فيملى الأخير شروطه التي يأتى في مقدمتها أن تتخلى تركيا عن دعم جماعة الإخوان الإرهابية، وإعلان ذلك خلال القمة الإسلامية المرتقبة بالسعودية، وتنفيذ ما يترتب على هذا الإعلان من ملاحقات أمنية لقادة التنظيم، وترحيلهم لبلدانهم، ولن يجد أردوغان مفرا من ذلك كى يتخلص من بعبع الأكراد.

أما بالنسبة لحليف الإخوان الآخر، وهى دولة قطر، فالأمر بالنسبة لترامب أسهل من تركيا، فالدوحة حليف إستراتيجى لواشنطن، وتستضيف قاعدة العديد الجوية وتشارك الولايات المتحدة الاستثمارات والتجارة بمليارات الدولارات، وفى تقرير نشرته صحيفة «المونيتور»، توقع المحلل السياسي جورجيو كافيير، المتخصص في شئون الخليج، أن قطر تعد نفسها لطرد جماعة الإخوان حال إقرار الكونجرس الأمريكى للجماعة بأنها منظمة إرهابية.

وعززت الترتيبات والتوازنات العربية قبل زيارة ترامب المرتقبة للسعودية، التكهنات بإنهاء أسطورة التنظيم الدولى للإخوان، حيث مثل لقاء قائد الجيش الوطنى الليبى المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطنى فائز السراج في أبوظبى وتجاوزهما مأزقا استمر أكثر من عام، ضربة للجماعة، التي بدأت تتحرك على كافة الاتجاهات لنسف الاتفاق الذي تم برعاية إماراتية مصرية، حتى أشاعت المليشيات التابعة للجماعة حالة من عدم الأمن في طرابلس، ما أجبر فائز السراج على إلغاء لقاء له كان مرتقبا في القاهرة مع المشير حفتر السبت 13 مايو الماضي، ما يعنى أن القضاء على جماعة الإخوان في ليبيا أصبح أمرا ملحا لإنهاء الأزمة.

ويرى بعض المطلعين على الشأن السعودي، أن تصريحات ولى ولى العهد، الأمير محمد بن سلمان، ضد جماعة الإخوان، والتي اتهم فيها الإعلام «الإخوانجي» بمحاولة بث الفتنة بين مصر والمملكة، ما هي إلا إشارة لما تحمله زيارة ترامب المرتقبة من صدمة للجماعة التي تعتبرها السعودية عدوا لدودا بسبب تقاربها من إيران الخصم الاستراتيجى للمملكة، ما جعل الرياض تضع التنظيم في سلة واحدة مع داعش والحوثيين، وجبهة النصرة وحزب الله، وأدرجتهم جميعا كمنظمات إرهابية عام 2014.

بدوره، قال إبراهيم ربيع، القيادى السابق بجماعة الإخوان الإرهابية: التنظيم الدولى للجماعة هو رأس الأفعى التي يجب قطعها، وقمة ترامب والدول العربية تجتمع على أهمية محو الإخوان كتنظيم من الواقع العربى والإسلامي، باعتباره بداية للنهوض بهذه الأمة التي أقعدتها السموم الإخوانية ومخاوف الأنظمة من الالتفات للديمقراطية خوفا من مخططات الجماعة الخبيثة، التي تستهدف جر المسلمين والعرب إلى العصور الوسطي.

القيادى الإخوانى السابق، تابع حديثه قائلا: التنظيم الدولى قوته تتداعى حاليًا، وأصبح في انتظار رصاصة الرحمة لإنهاء أسطورته التي تحطمت على صخرة ثورة 30 يونيو، وأطاحت بالإخوان من عرش سلطة، طالما حلموا بها طيلة قرن من الزمان، وأولى مهام التحالف العربى الأمريكى استئصال هذا الورم من الجسد العربي.

فيما أكد سامح عيد، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، أن التعاون الأمريكى العربي، فيما يخص التنظيم الدولى للإخوان، تحكمه بعض القيود المتعلقة بمؤسسية اتخاذ القرار داخل الولايات المتحدة، لافتا إلى أن أزمة الإخوان تحديدا، شأن عربى وإسلامى ولن تستطيع الدول الكبرى كتابة الفصل الأخير فيها،.

“عيد” أوضح أن إقدام أمريكا نفسها على هذا الأمر، في ظل تضارب المصالح والرؤى، حول الجماعة في البلدان العربية المختلفة، أمر صعب، وهو ما يعطل بدرجة كبيرة تصنيف الإخوان حركة إرهابية منذ إعلان ترامب إقدامه على هذا الأمر، قبل أن يتولى موقعه الرئاسي، الذي فاجأه على ما يبدو، أن هناك أجهزة ومؤسسات يمكنها تحجيم رغباته السياسية، إن لم تكن متوافقة مع قراراته.

وواصل حديثه: الإخوان تدير معركتها مع الخارج بحرص شديد، وتُصدر بعض العبارات والنداءات التي تحذر شبابها، وخاصة من المنتمين لجبهة العنف المحسوبة على الكماليين إلى الدول الكبرى، التي تضع بدورها انجراف شباب الإخوان إلى العنف، إذا ما تم محاصرتها بمثل هذا القرار، صوب أعينها، موضحا أن المستقر في المجتمع الدولي، وحتى العربي، أن تبقى قضية الإخوان داخلية بالإضافة إلى اعتبارها أزمة للحلف المساند لمصر، على أن يكون هناك حرية كاملة لكل دولة في التعامل مع الملف، بما يتناسب مع رؤيتها وأهمية أو خطورة إبعاد الجماعة عن الشأن العام الداخلي.

من جانبه، قال أحمد عطا، الباحث في الحركات الإسلامية: هناك أربع دول عربية لها الأولويات، بالنسبة للإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، وهي: المملكة العربية السعودية، والإمارات، والأردن، ومصر، موضحا أن هناك أسبابا متنوعة لهذا الاهتمام تختلف من دولة لأخرى.

وأضاف: أهمية المملكة السعودية، تتمثل في أنها تريد تأكيد أحقيتها، في قيادة المنطقة العربية، كأهم دولة إقليمية، وخاصة أنها بصدد إحداث تغيير جذرى في ملفاتها المختلفة الاجتماعية والاقتصادية، برعاية ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى لإحداث نقلة نوعية للمملكة، ولهذا التحالف والتنسيق المعلن بين الإدارة الأمريكية الجديدة والمملكة، هو يهدف إلى تأمين حدود المملكة، من التهديدات الإيرانية العسكرية من ناحية – بالإضافة إلى الحصول على مساعدات أمريكية تكنولوجية وفنية للملكة، لعمل نقلة نوعية كما هو مرسوم ومعلن، إلى جانب أن السعودية هي أفضل من تقود المنطقة العربية.

وأكمل: أما بالنسبة للإمارات، فهناك مشروعات اقتصادية ستكون لها الأولوية في صياغات التحالف، وتحديدا داخل مدينة دبي، التي يتملك الرئيس الأمريكي، شركات بها منها مضماران للعبة الجولف ومنطقة ڤيلات فاخرة - أما مصر فالإدارة الأمريكية تريد أن تصحح التشوهات التي انتابت السياسة الأمريكية المصرية، أثناء فترة تولى الرئيس السابق باراك أوباما.

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية