رئيس التحرير
عصام كامل

هل يتراجع البنك المركزي عن التعويم الحر؟


من قاعدة تقديم التحية للقرار الصائب، وتقديم النقد البناء للقرار غير ذلك، أحيي طارق عامر، محافظ البنك المركزي؛ لإصداره مؤخرًا توجيهات جديدة للبنوك، تستهدف تعزيز استقرار سوق الصرف وإحكام السيطرة على عمليات بيع وشراء النقد الأجنبي، تضمنت ألا تتجاوز تعاقدات أي بنك مع شركات صرافة 7 شركات بحد أقصى، وذلك للحد من تركز تعاملات شركات الصرافة مع عدد محدود من البنوك.. وطالب "المركزي" البنوك بموافاته بصورة من عقود الاتفاق مع شركات الصرافة، موضحًا أنه سيتم منح مهلة ثلاثة أشهر لشركات الصرافة والبنوك للالتزام بالتوجيهات الجديدة.


وهذا القرار –من وجهة نظري– له دلالة كبيرة قد تظهر فيما يأتي من أيام، فبعد القرار الأسود لتحرير سعر الصرف الذي أقدم عليه في 3 نوفمبر 2016، حيث أصبح العرض والطلب هو المتحكم في تحديد سعر الصرف وليس البنك، كما كان يحدث قبل التعويم، كانت البنوك هي التي تعمل بنفسها في مجال الصرافة، وتم إغلاق الكثير جدا من شركات الصرافة، وحلت البنوك محلها للسيطرة على الوضع الدولاري، وقد تم اعتماد نظام السوق الحرة لتحديد سعر الدولار، بمعنى أن الدولار لا يخضع سوى للعرض والطلب..

لكن يبدو أن محافظ البنك المركزي وجد أن أسلوب السوق الحرة أو التعويم الحر للجنيه لم يأت بثماره المرجوة، حيث إن الدولار تجاوز 18 جنيهًا، وهو بالتأكيد سعر غير عادل قضى على قيمة الجنيه، وزاد من جنون الأسعار وبالتالي –من وجهة نظري- أراد محافظ البنك المركزي العودة بخطوة واحدة للخلف، وهي اعتماد أسلوب السوق المقيد أو التعويم المقيد، بمعنى تحديد سعر معين للدولار، وآخر يمثل حدًا أقصى لا تتعداه البنوك لتترك العملة بين هذين السعرين..

مع ملاحظة أن الفرق ليس كبيرا بين البنوك في تحديد سعر الدولار، وبالتالي تعود شركات الصرافة لممارسة عملها في ظل فارق ضئيل لسعر الصرف يحقق لها المكاسب المختلفة ويعيدها لسوق العمل، كما يجعلها خاضعة لسياسة البنك المركزي لا تخرج عنها حتى لا يحدث انفلات في أسعار الدولار ومضاربات ضخمة تؤدي إلى عدم السيطرة على الأسعار كما كان الأمر قبل تحرير سعر الصرف -الذي لم نقل بخطئه، ولكننا قلنا بعدم دقة توقيت اتخاذه، وكان يجب أن تتخذ الحكومة والبنك لمركزي بعض الإجراءات المختلفة للسيطرة على الأسواق وتقديم الضمانات والحماية التامة لمحدودي الدخل من غول الأسعار قبل تفعيل القرار- وهذا أمر جيد، فالرجوع للصواب ولو بخطوة خير من التمادي في الخطأ.

وقد كانت التعليمات السارية منذ عام 2003 في مجال تحديد أسعار الصرف لدى شركات الصرافة تقضي بأنه غير مسموح للشركة بتحديد أسعار شراء وبيع النقد الأجنبي، كما تلتزم كل شركة بالاتفاق مع أحد المصارف المعتمدة لإعلان أسعاره الخاصة ببيع وشراء النقد الأجنبي للتعامل بها مع عملائها، مع الإشارة الواضحة للعملاء بأن الأسعار المعلنة هي أسعار المصرف المعتمدة بالبنك الذي يتم الاتفاق معه.

وهذه الخطوة الجديدة التي اتخذها البنك المركزي ولم يعلن سببها الحقيقي -وهو كما نظن محاولة للعودة لتقييد سعر الدولار- ستسهم في توزيع الموارد بين البنوك، وعدم تركزها في بنوك محددة، خاصة أن استحواذ بنك بعينه على عدد كبير من شركات الصرافة كان يعطيه الحرية في تحديد الأسعار، وهو ما كان يضر بالشركات الأخرى، لذلك ستساعد هذه الخطوة في توسيع السوق.

وقد سبق منذ شهور قليلة أن سعت شعبة الصرافة للتواصل مع البنك المركزي من خلال اتحاد الغرف التجارية للمطالبة بالسماح للصرافات بالتعاقد مع أكثر من بنك لتجنب تعرضها للخسائر في حال كان لديها فائض دولاري لا يحتاجه البنك الذي تتعامل معه.
الجريدة الرسمية