رئيس التحرير
عصام كامل

في معية يوسف (١٠)


كانت هناك محاولة مستميتة من امرأة العزيز للإيقاع بيوسف في شركها، لكنه أبى واستعصم، وكانت عناية الله وحفظه سدا منيعا حال بينه والوقوع في المعصية.. وعند الباب فوجئ العزيز بامرأته تقف خلف يوسف وهى تمسك بقميصه الذي مزقته بيدها.. وقد اتضح له أن المحاولة لم تتم، وأن يوسف بريء مما حاولت أن تنسبه إليه، الأمر الذي خفف من وطأة الموقف على نفسه.. فقط..


طلب منها أن تستغفر لذنبها، ومن يوسف ألا يخبر أحدا بما حدث من امرأته، فهذه المجتمعات المسماة "الراقية" تهوى الفضائح المتعلقة بعلية القوم، ومن ثم سوف تتلقف مثل هذه الأخبار وتقوم بتحويلها إلى قصص وحكايات تتسلى وتتلهى بها في جلساتها الخاصة.. وعلى الرغم من التزام يوسف بذلك، فإن الخبر انتشر عبر الخدم الذين شهدوا الواقعة والتي أكدت لهم ما كانوا يلاحظونه ويرقبونه من نظرات الهيام والغرام التي كانت تبدو من امرأة العزيز تجاه يوسف.. نقل هؤلاء ما شاهدونه إلى نظرائهم من خدم القصور الأخرى، ووصل الخبر وشاع، خاصة بين النسوة اللاتى وجدنها فرصة للتندر والحكى (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عنه نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين)..

وانتقل خبر نميمة هؤلاء النسوة إلى امرأة العزيز، فقررت استدعاءهن وتلقينهن درسا لا ينسينه، فهن يهرفن بما لا يعرفن (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وأتت كل واحدة منهن سكينا)، أي دعتهن إلى وليمة بها أطايب الطعام وأنواع مختلفة من الفاكهة، ولكل واحدة منهن سكينها؛ والمتكئ هو المقعد المنجد ذو الظهر والذراعين، وربما قصد به الفرش والوسائد (وقالت اخرج عليهن).. كانت تعلم أن هؤلاء النسوة سوف يفتن بيوسف عندما يرينه (فلما رأينه أكبرنه) أي علت أصواتهن بالتهليل والإكبار والإعجاب والدهشة لحسن يوسف وجماله لدرجة أنهن لم يدرين أنهن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي في أيديهن (وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم)، أي محال أن يكون هذا من البشر، أي ما هو إلا ملك من الملائكة الكرام، فإن هذا الجمال الفائق، والحسن الرائع مما لا يوجد في البشر.. حينذاك..

قالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتننى فيه)، أي لكى تعلمن السبب الحقيقى الذي جعلنى أقع في حبه وأشغل به.. قالتها وهى تشعر بالانتصار عليهن.. ثم أردفت قائلة: وإذا كنتن قد أخطأتن في حقى، فها أنتن - في لحظة - تفقدن صوابكن لمجرد رؤيته، وهو ما دفعها أن تقول بصراحة ودون شعور بالخجل (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم)، أي أردت أن أنال وطرى منه، وأقضى شهوتى معه، فامتنع امتناعا شديدا، وأبى إباء عنيفا..

يقول الزمخشرى: والاستعصام بناء مبالغة، ويدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد (الكشاف ٢/ ٤٦٧).. ولا شك أن انبهار النسوة بيوسف على هذا النحو أعطى لامرأة العزيز ثقة وجرأة غير عادية، فقالت (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)، وبذلك تعرض يوسف للمحنة الرابعة، وهى إما ارتكاب المعصية أو دخول السجن.. (وللحديث بقية إن شاء الله).
الجريدة الرسمية